القطمير كناية عن أحقر الأشياء وأتفهها ، والمعنى ان ما ترونه من مظاهر الكون وعجائبه فهو من صنع الله الذي لا إله سواه ، أما الذين تعبدون وترجون فإنهم لا يملكون مع الله شيئا (إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ) ان كانوا بلا احساس وشعور كالأحجار والأشجار والكواكب (وَلَوْ سَمِعُوا) ان كانوا من الإنس أو الجن أو الملائكة (مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ) لأنهم لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا ، فكيف يملكون ذلك لغيرهم (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ). يبرءون منكم ويوبخونكم على الشرك والضلال (وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) بمصير هؤلاء المكذبين بنبوتك يا محمد وغيرهم من العصاة والطغاة.
(يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ). ان افتقار المخلوق الى خالقه لا ينقطع أبدا تماما كافتقار المعلول الى علته ، والمسبب الى سببه ، قال ابن عربي في الفتوحات : للإنسان وجهان : وجه مفتقر الى الله ، ووجه غني عن العالم ، فهو فقير ذليل أبدا بالنسبة اليه تعالى ، وغني عزيز بالنسبة الى من استغنى عنه.
(إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ). ذلك اشارة الى إفناء العاصين ، وإيجاد المطيعين مكانهم ، ولو أراد ذلك سبحانه لكان ما أراد ، لأنه على كل شيء قدير. وتقدم في الآية ١٩ من سورة ابراهيم بالنص الحرفي ج ٤ ص ٤٣٦ ، وبالمعنى في الآية ١٣٢ من سورة النساء ج ٢ ص ٤٥٦ والآية ١٣٣ من سورة الانعام ج ٣ ص ٢٦٦.
(وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) كل مذنب يحاسب ويعاقب على ذنبه فقط ، والعكس في التوراة سفر العدد اصحاح ٢٤ : «الرب طويل الروح .. ولكنه لا يبرئ بل يجعل ذنب الآباء على الأبناء». وتقدمت الآية بنصها الحرفي في سورة الأنعام الآية ١٦٤ ج ٣ ص ٢٩٣ (وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى). مثقلة أي نفس تحمل حملا ثقيلا من الأوزار ، والمعنى لا يجدي في ذلك اليوم تضرع وخضوع ولا طلب العون والغوث من قريب وحبيب لأن لكل انسان من نفسه شاغلا عن غيره : (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) ـ ٣٧ عبس.