وشاهد آثاره ، ورسم له صورا نشرها في المجلة الفرنسية سنة ١٨٧٤ ، ثم زار مأرب بعده «هاليفي» و «غلازر» ووافقاه فيما قال ووصف.
المعنى :
(لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ). آية أي دلالة وعلامة على نعم الله الوافرة في تلك الأرض. وجنتان عن يمين وشمال كناية عن الخصب والازدهار في كل جزء من أجزاء البلاد ، وان المار بأرض سبأ كان انّى اتجه يرى الخيرات عن يمينه وشماله .. وقد أمر سبحانه قوم سبأ أهل تلك الأرض الطيبة ، أمرهم بلسان أنبيائه ورسله أن يتنعموا في خيراته ويشكروه ويوحدوه (فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ). استعانوا بنعمة الله على معصيته ، واستغنوا بفضله عن عبادته ، فحذرهم وأنذرهم على لسان رسله ، فلم ينتفعوا بالنذر ، ويتعظوا بالعبر ، فأرسل عليهم سيلا عظيما خرّب السد وأهلك الزرع والضرع ، وأبدلهم الله بالحدائق الغناء والبساتين الفيحاء أشجارا لا تسمن ولا تغني من جوع كالطرفاء والسدر وما إليه مما ينبت في الصحراء ، ولا يستسيغه إلا حيوان جائع أو إنسان أضناه الفقر والعوز.
(ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ). جزاهم بالفقر ، وهو أفظع الجزاء .. وفي رواية : الفقر الموت الأحمر. وفي ثانية : كاد الفقر يكون كفرا. وفي ثالثة : الفقر سواد الوجه في الدارين. وقال الإمام علي (ع) لولده محمد بن الحنفية : ان الفقر منقصة للدّين ـ أي يحمل الإنسان على معصية الله ـ مدهشة للعقل ، داعية للمقت.
(وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ). ضمير بينهم يعود الى قوم سبأ ، والمراد بالقرى قرى الشام ـ كما قال المفسرون ـ وبارك الله فيها بالماء والأشجار ، والخصب والثمار ، وظاهرة أي ان القرى كانت قريبة يظهر بعضها لبعض ، وقدّرنا في السير