المعنى :
(وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلاً يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ). قال سبحانه في الآية ١٥ من سورة النمل : (وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً). وفي الآية ١٦٢ من سورة النساء : (وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً). وفي الآية التي نحن بصددها ذكر سبحانه انه أسبغ على داود نعمة الصوت الرخيم الذي تكاد تتجاوب الجبال والطير مع صفائه. وفي الآية ٧٨ من سورة الأنبياء قلنا يجوز ان يكون تسبيح الجبال والطير على نحو الحقيقة مع داود لأن الله على كل شيء قدير ، وقال قائل : المراد بتسبيح الجبال والطير معه انها كانت توحي اليه بالتسبيح ، فإذا رآها قال مرددا : سبحان من خلق وصوّر .. وايضا أنعم الله على داود بأن جعل الحديد طوع ارادته يعمل منه ما يشاء دون ان يحميه بالنار ، او يضربه بالمطرقة .. ومن الجائز ان الله سبحانه ألهمه الأسباب والوسائل التي تجعل الحديد لينا.
(أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ). يقول تعالى لداود : اعمل من الحديد دروعا ، وأحكم صنعها بحيث تقي المقاتل السيف والسهم والسنان ، ولا تمنعه من الحركة كما يريد (وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ). الخطاب لداود وآله ، يأمرهم الله فيه بصالح الأعمال ، ويعدهم عليها بالأجر والثواب. وتقدم نظير هاتين الآيتين في سورة الأنبياء الآية ٧٩ و ٨٠ ج ٥ ص ٢٩٢.
(وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ). يدل ظاهر الآية على ان الريح كانت تحمل سليمان بأمر الله الى ما يشاء ، وانها كانت تقطع بالغداة مسيرة شهر كامل على الجمال أو الأقدام ، وكذلك بالمساء (وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ).
القطر النحاس او الحديد ، والاسالة الاذابة ، والمعنى انه تعالى أذاب الصلب لسليمان تماما كما ألانه لأبيه داود .. ويجوز ان الله أرشده الى سبب الاسالة والاذابة.
(وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ). تقدم مع التفسير في الآية ٨٢ من سورة الأنبياء ج ٥ ص ٢٩٣