الحرفي في سورة النمل الآية ٨٠ و ٨١.
(اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ). لم يكن الإنسان شيئا مذكورا ثم كان ، وانتقل في العديد من الأطوار ، فمن التراب إلى النطفة والجنين ، ومنه إلى الرضيع والفطيم ، ومن الصبي والشاب إلى الكهل والشيخ الفاني ، والضعف الأول الذي أشارت اليه الآية هو ضعف البنية والإدراك في الطفل ، وقيل : بل ضعف النطفة ، والمراد بالقوة قوة الشباب ، أما الضعف الثاني فهو ضعف الهرم والكبر باتفاق المفسرين ، ومن أجل هذا قلنا : ان المراد بالضعف الأول الطفولة لأنها أنسب إلى الهرم من النطفة. وعلى أية حال فان القصد من الاشارة إلى تغيير الإنسان من حال الى حال هو أن يدرك انه في قبضة الله يتصرف به كيف يشاء إحياء وإماتة وإضعافا وتقوية ، ثم اليه المنقلب والمصير. وتقدم مثله في الآية ٧٠ من سورة النحل ج ٤ ص ٥٣٠.
(وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ). المراد بالساعة يوم القيامة ، وبقوله : ما لبثوا غير ساعة الجزء من الزمن في الحياة الدنيا ، والمعنى ان المجرمين حين ينسلون الى ربهم من الأجداث يحلفون بالله من الدهشة ما لبثوا في قبورهم إلا قليلا. وتقدم ذلك مفصلا في الآية ١٠٢ من سورة طه ج ٥ ص ٢٤٤ ، وجمعنا هناك بين ثلاث آيات : الأولى : يتخافتون بينهم ان لبثتم إلا عشرا. والثانية : قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم. والثالثة الآية التي نحن بصددها. (كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ) يصرفون عن الصدق إلى الكذب في الدنيا حيث كانوا يحلفون : لا بعث ولا حساب. وفي الآخرة أيضا حيث حلفوا ما لبثوا غير ساعة.
(وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ). قال المجرمون ما قالوا عن أمد مكثهم ، فقال لهم أهل الايمان بالله وحسابه وثوابه : لقد لبثتم ما شاء الله أن تلبثوا ، والأمد الذي قضيتموه في قبوركم الى هذا اليوم ثابت في علمه تعالى ، ولا يعلمه أحد سواه .. وأية جدوى من قسمكم وحديثكم عن أمد المكث في القبور وقد أنكرتم من قبل هذا اليوم الذي