لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ) ـ ٧٣ الحج». كيف يعبد الإنسان من قعد به الضعف والعجز حتى عن الذباب! وأيضا استعمل القرآن هذا الأسلوب في الرد على من ألّه السيد المسيح (ع) : (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) ـ ٧٥ المائدة. ومن يأكل الطعام فهو مفتقر اليه ، والإله يفتقر اليه كل شيء ، ولا يفتقر هو إلى شيء. انظر ج ٣ ص ١٠٥.
و «منها» : الاستدلال بوجود حادث على وجود علته بحيث يستلزم العلم بوجوده العلم بوجودها ، وقد استعمل القرآن هذا الأسلوب للدلالة على وجود الله في العديد من الآيات ، منها ـ على سبيل المثال ـ (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها) ـ ٥ ق». ومحال أن يكون هذا البناء المحكم وتزيينه بالكواكب من باب الصدفة ، فتعين وجود القدير الحكيم. وأيضا استعمل القرآن هذا الأسلوب للدلالة على الوحدانية : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) ـ ٢٢ الأنبياء لأن تعدد الآلهة يستدعي فساد الكون ، وحيث لا فساد فلا تعدد. وبتعبير أهل المنطق أن نفي اللازم وهو فساد الكون يدل على نفي الملزوم وهو تعدد الآلهة.
و «منها» الاستدلال بالأولية ، وقد استعمل سبحانه هذا الأسلوب للدلالة على إمكان المعاد لأن العلم بوقوعه تابع للعلم بامكانه : (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) ـ ٢٧ الروم أي ان من قدر على إيجاد الشيء من لا شيء فبالأولى أن يقدر على جمع أجزائه بعد تفرقها.
وهذه الأمثلة برهان قاطع على ان الجدل القرآني يقوم على أساس العقل وحريته ، وان الهدف منه اظهار الحق للايمان والعمل به ، أو لإفحام من جحد وعاند بأسلوب يقنع من طلب الحق لوجه الحق.
(وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ). الخطاب للمسلمين ، والمعنى : كما يجب عليكم أيها المسلمون ان تجادلوا من ترجون هدايته من أهل الكتاب فعليكم أن تدعوا جدال المعاندين منهم بالحسنى أيضا أي لا تظهروا لهم العداء ، بل خالطوهم وقولوا لهم : ان معبودنا ومعبودكم