وتجرّده عن ذكر القيد فيما هو محلّ الحاجة إلى ذكره.
ولكن ينبغي أن يعلم أنّ العموم حيث يعتبر بالقياس إلى الأفراد فهو من مقتضى إطلاق نفس المطلق بمعنى الماهيّة أو الفرد المنتشر الّذي هو من مفردات ، بخلاف ما يعتبر بالقياس إلى الأحوال أو الأزمان فإنّه ليس من مقتضى إطلاق المطلق بهذا المعنى ، ضرورة أنّ إطلاق « رقبة » ليس عنوانا لأحوالها ولا لأحوال المكلّف ولا لأزمان المكلّف به بل العنوان لها إطلاق الهيئة التركيبيّة الكلاميّة من حيث تجرّدها عن ذكر قيد يرجع إليها الّذي مرجعها إلى سكوت المتكلّم عن بيان ذلك القيد ، ضرورة أنّه لو قال : « أعتق رقبة حال كونها قائمة أو حال كونك متطهّرا ، أو في يوم الجمعة ، أو في المسجد » كانت المذكورات قيودا لتلك الهيئة التركيبيّة وتجرّدها عنها إطلاق فيها ، والعقل بملاحظة هذا الإطلاق يحكم تارة بعموم الحكم للأحوال واخرى بعمومه للأزمان وثالثة بعمومه للأمكنة وهكذا ، لأنّه لو اختصّ ببعضها مع عدم ذكر قيد يبيّنه لزم الإغراء بالجهل.
لا يقال : إنّ حكم العقل من جهة الإغراء اللازم من الخطاب بما له ظاهر وإرادة غيره من دون نصب قرينة عليه يجري في العمومات أيضا ويحرز به العموم فيها كما يجري في المطلقات فوجب أن يكون العموم في المقامين وضعيّا. لأنّ العموم في العمومات يحرز بأصالة الحقيقة بمعنى النوعيّ المستند إلى الوضع ، فهو المقتضي لحمل اللفظ على إرادة العموم لكونه نفس الموضوع له ، وتوسيط حكم العقل هنا إنّما هو لدفع المانع وهو احتمال إرادة الخصوص بل لجعل الدلالة على العموم قطعيّا ، كما قد يتمسّك به لأجل هذه الفائدة في مسألة تخصيص الكتاب بخبر الواحد فيقال : إنّ الخطاب بما له ظاهر وإرادة غيره قبيح فثبت وجوب العمل بظاهر الكتاب مع قطعيّة المخاطبة به ، بخلافه في المطلقات فإنّ اللفظ فيها ـ على ما بيّنّاه مرارا ـ موضوع للماهيّة أو الفرد المنتشر ، وعموم الحكم المعلّق عليه لأفراد الماهيّة أو مصاديق الفرد المنتشر ليس بنفس الماهيّة ولا الفرد المنتشر فيكون خارجا عن الموضوع له ، وهذا الخارج لازم للموضوع له بلزوم يثبت بحكم العقل ، لأنّه لو اختصّ ببعض معيّن عند المتكلّم مع عدم بيانه بذكر قيد يقيّده لزم الخطاب بما له ظاهر وإرادة غيره وهو قبيح.
فإن قلت : إنّ توسيط هذه المقدّمة العقليّة إنّما هو لإثبات إرادة ظاهر المطلق وهو الماهيّة أو الفرد المنتشر ونفي احتمال إرادة خلافه لا غير ، فكيف يصير العموم عقليّا؟