يتساوى نسبته إلى الجميع » فخرج الواجب العيني تعبّديا كان أو توصّليا ، لكونه منوطا بمصلحة تعود إلى المكلّف نفسه ولا تضاف إلى غيره ، وإن كانت قد تتأدّى بفعل الغير فتوجب سقوط التكليف عمّن هي عائدة إليه كما في التوصّلي.
وبذلك يتبيّن أنّ كلاّ من التوصّلي والتعبّدي إذا كان بمعناه الأعمّ (١) لا مطلقا ينقسم إلى العيني والكفائي ، فالعيني التعبّدي يفارق الكفائي التوصّلي من جهتين والكفائي التعبّدي من جهة واحدة ، والمراد بالكفائي التوصّلي ما كان توصّليا صرفا وإلاّ فالتعبّدي منه أيضا توصّلي ولكنّه مشوب من جهة عروض الجهة التعبديّة له كالتوصّلي من العيني إذا كان مشوبا بتلك الجهة ، كالطهارة عن الحدث بخلاف الطهارة عن الخبث فإنّها توصّلية صرفة غير أنّها عينيّة لعود المصلحة المطلوبة منه إلى المكلّف نفسه ، فالتوصّلي والكفائي يتشاركان في كون الإيجاب لأجل التوصّل إلى مصلحة غير القربة داعية إليه ويتفارقان في عود تلك المصلحة إلى المكلّف نفسه كتفريغ ذمّته وتطهير ثيابه كما في الأوّل ، أو إلى ما يتساوى نسبته إليه وإلى غيره من المكلّفين كاحترام الميّت وتطهير المسجد كما في الثاني ، ولأجل ذلك صار التكليف في الأوّل عينيّا وإن سقط بفعل البعض أيضا وفي الثاني كفائيّا لأنّ في التعيين حينئذ ترجيحا من غير مرجّح.
وقضيّة ذلك كون الوجوب فيه متعلّقا بكلّ واحد مع سقوطه بفعل البعض إذا كان على قدر الكفاية ، لبطلان القول بتعلّقه بالمجموع من حيث المجموع والقول بتعلّقه بالبعض المبهم.
وتفصيل القول فيه : أنّه لو قال من له عبيد : « يا عبيدي أكرموا زيدا » أو قال : « أمرتكم بإكرام زيد » أو قال : « أوجبت عليكم اكرام زيد » وما أشبه ذلك ممّا يؤدّي هذا المؤدّى فهو في بادئ النظر محتمل لوجوه :
أوّلها : كون المراد منه إيجاب الفعل على كلّ واحد على جهة التعيين بحيث لولا حصول أدائه منه بنفسه لما ارتفع الطلب عنه ولو حصل الأداء من غيره.
وثانيها : كون المراد فيه إيجاب الفعل على كلّ واحد على جهة التعيين بحيث كان حصول الأداء من البعض كافيا في ارتفاع الطلب عن بعض آخر وإن لم يحصل المباشرة منه بنفسه.
__________________
(١) والمراد بالتعبّدي بالمعنى الأعمّ ما كان حصول الامتثال به منوطا بقصد القربة سواء كان الغرض الأصلي من إيجابه حصول القربة كما في الصلاة والصيام أو حصوله في الخارج كالطهارات الثلاث. ( منه عفي عنه ).