« الجميع » و « تمامها » إنّما هو للتنبيه على هذه الحيثيّة ، والحكم المتعلّق بالجمع قد يتعلّق بالأفراد بتمامها بشرط انضمام بعضها إلى بعض بحيث يكون موضوعه أمرا واحدا ومركّبا اعتباريّا فيكون كلّ فرد بالنسبة إليه جزءا لموضوع الحكم لا موضوعا مستقلاّ ويقال له بهذا الاعتبار : « مجموع الأفراد من حيث المجموع » وقد يتعلّق بها لا بهذا الشرط فيكون كلّ فرد بنفسه موضوعا مستقلاّ فيتعدّد موضوعه على حسب تعدّد الأفراد ، ويقال له بهذا الاعتبار : « كلّ واحد واحد » ومن المعلوم أنّ مقتضى الأصل هو الثاني لأنّ شرط الانضمام اعتبار زائد في مدلول الجمع يحتاج إلى جعل آخر والأصل عدمه ، وكذلك الظاهر من إطلاق الجمع حيث يتعلّق به حكم أو نسبة هو الثاني.
والسرّ فيه على ما حقّقناه سابقا من أنّ مدلول الجمع بحسب الوضع هو الماهيّة من حيث تحقّقها في ضمن الأفراد فيكون مدلوله في محلّ العموم الماهيّة من حيث تحقّقها في ضمن الأفراد بتمامها ، وذكرنا أنّ معنى تحقّق الماهيّة في ضمن الأفراد تحقّق حصصها فيها ولا ريب أنّها تحقّق في كلّ فرد لا بشرط تحقّقها في فرد آخر ، وذكرنا أيضا أنّ الماهيّة المتحقّقة في الأفراد بعينها هي الأفراد ، فرجع الكلام إلى أنّ مدلول الجمع في محلّ العموم هو الأفراد بتمامها لا بشرط انضمام بعضها إلى بعض ، وإذا تعلّق به حكم أو نسبة فالظاهر يقتضي تعلّقه بالأفراد على هذا الوجه ولا نعني من العموم الأفرادي إلاّ هذا.
وبما قرّرناه تبيّن أنّ حمله على ما عداه يحتاج إلى نصب قرينة ، وهو كما أنّه ينهض ردّا على حجّة القول المذكور كذلك ينهض حجّة على القول المختار ، ويخرج كلّما استدلّ عليه مؤيّدا لها بل حجّة اخرى مثل تبادر « كلّ عالم » من قولك : « أكرم العلماء » ونصّ جماعة من أهل الفنّ وتصريح أئمّة التفسير به في كلّ ما وقع في التنزيل من هذا القبيل نحو : ( إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ )(١)( وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها )(٢)( وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا )(٣)( إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ )(٤)( وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ )(٥)( وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ )(٦) إلى غير ذلك ، وأنّه يصحّ بلا خلاف : « جاءني العلماء ، إلاّ زيدا » و « جاءني القوم إلاّ عمرا » مع امتناع قولك : « جاءني كلّ جماعة من العلماء إلاّ زيدا » بناء على إرادة الاستثناء المتّصل ولو كان مفاد اللفظين واحدا لجاز ذلك في المقامين.
كما تبيّن أيضا أنّه لا ابتناء لوروده للعموم الأفرادي على طروّ وضع جديد للهيئة
__________________
(١ ـ ٤) البقرة : ٣٣ و ٣١ و ٣٤ و ١٩٥.
(٥) هود : ٨٣.
(٦) آل عمران : ١٠٨.