لا يقال : إنّ العموم الّذي هو هنا من لوازم الشرطيّة ـ بمعنى السببيّة ـ إنّما هو شمول الجزاء لجميع وجودات الشرط ولا كلام فيه ، بل محلّ الكلام إنّما هو شمول الجزاء لكلّ من يوجد فيه الشرط لا ما يوجد فيه الشرط وهذا عموم زائد على العموم الأوّل ، وكون الأوّل من لوازم الشرطيّة في مثل « من » و « ما » لا ينافي كون الثاني من مقتضى الوضع ، ولذا نجد فرقا بيّنا بين قول القائل : « إن دخل زيد الدار فأعطه درهما » وقوله : « من دخل الدار فأعطه درهما » حيث إنّ الأوّل لا يعمّ كلّ داخل والثاني يعمّه ، وهذا آية دخول العموم على الوجه الثاني في وضع الثاني دون الأوّل مع تساويهما في العموم على الوجه الأوّل الّذي هو من لوازم الشرطيّة.
لأنّا نقول : إنّ العموم على الوجه المذكور لا يغاير الأوّل بل بعض منه فيكون من لوازم الشرطيّة أيضا ، وما يرى من الفرق بين المثالين في أنّ الحكم في الأوّل لا يعمّ كلّ داخل في الدار ولذا لو دخل « عمرو » لا يجب إعطاؤه من جهة أنّ المولى قال : « إن دخل زيد الدار فأعطه درهما » بخلافه على المثال الثاني ، إنّما نشأ من أنّ الشرط في الأوّل دخول « زيد » بقيد الخصوصيّة ، فالعلّة مركّبة من « الدخول » وكون « الداخل زيدا » وفي الثاني هو « الدخول الكلّي » من أيّ داخل كان ، نظرا إلى أنّ « من » و « ما » بحسب الوضع للذات البحت المعرّاة عن خصوصيّات الأشخاص ، فقضيّة كون الشرط هو كلّي الدخول عموم الحكم لكلّ من يوجد منه الشرط زيدا كان أو عمرا أو غيرهما.
نعم لا يندرج فيه دخول غير العاقل لاختصاص كلمة « من » بالعقلاء.
وبالجملة فكون العموم المستفاد من كلمتي « من » و « ما » مأخوذا في وضعيهما ليكون الدلالة عليه من دلالة اللفظ على ما وضع له غير واضح فعدّهما من ألفاظ العموم غير سديد ، إلاّ أن يكتفى في العامّ بمطلق الدلالة على العموم ولو التزاميّة وهذا أيضا غير واضح بل المعلوم خلافه.
وممّا يرشد إلى ما ذكرناه ـ من إمكان كون دخول العموم في الشرطيّتين باعتبار كونه من لوازم الشرطيّة لا من مقتضى الوضع ـ أنّ المشتق قد يتضمّن معنى الشرطيّة باعتبار كون مبدأ اشتقاقه علّة للحكم فيدخل العموم في مفهومه أيضا تبعا للشرطيّة لا غير ، كما في قوله تعالى : ( السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما )(١) و: ( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ
__________________
(١) المائدة : ٣٨.