أيضا عموم السلب ، ضرورة أنّ ثبوت عدم القيام لكلّ فرد معناه انتفاء القيام عن كلّ فرد فهذا ممّا لا كلام فيه ، وإنّما الكلام في أنّ ورود النفي عليه في نحو : « لم يقم كلّ إنسان » هل يصلح صارفا له عن مقتضى وضعه وهو عموم السلب إلى خلافه وهو سلب العموم أو لا؟
والتحقيق الموافق للنظر الدقيق هو عدم صلاحيّة ذلك أيضا للصرف ، وذلك أنّ « لم يقم » في صورة وروده على الكلّ أيضا مسند كما كان مسندا في صورة العكس ، ضرورة أنّ اختلاف التركيبين بالنسبة إلى « لم يقم » بالتقديم والتأخير لا يوجب اختلاف حاله في كونه مسندا ـ لا في صورة التأخير ، ولا في صورة التقديم ـ بل هو مسند في الصورتين معا ، وظاهر أنّ كونه مسندا في صورة التقديم أيضا يقتضى مسندا إليه وليس إلاّ « كلّ إنسان » باعتبار وقوعه حينئذ فاعلا ، ومعنى كون « لم يقم » مسندا و « كلّ إنسان » مسندا إليه أنّ المتكلّم يسند عدم القيام إلى كلّ فرد للإنسان فلا يكون مفاده إلاّ عموم السلب أيضا.
فانقدح أنّ كلاّ من التركيبين يرد في متفاهم العرف لعموم السلب بلا تفاوت بينهما.
وأمّا ما تقدّم من توهّم أنّ المتكلّم قد يعتبر القيام مسندا إلى كلّ فرد للإنسان ثمّ يورد عليه النفي فيكون لسلب العموم ، يأباه وضع القضيّة بل يبطله دليل الخلف ، إذ المسند إذا كان هو الفعل المنفيّ فكيف يعقل من المتكلّم اعتبار إسناد القيام إلى كلّ فرد للإنسان المفروض كونه مسندا إليه.
وممّا قرّرناه يعلم أنّ قوله تعالى : ( إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ )(١) المحمول على عموم السلب مع ورود النفي فيه على العامّ ليس فيه مخالفة للظاهر ، بل لو حمل على سلب العموم كان مخالفا للظاهر ، بتقريب ما عرفت من أنّ المسند هو الفعل المنفيّ ومعناه أنّه تعالى أسند عدم المحبّة إلى « كلّ مختال فخور » ولا يعني من عموم السلب إلاّ هذا.
وبالتأمّل في تحقيقاتنا هذه يظهر أنّ الحقّ في « ليس كلّ » المختلف فيه عند أهل الاستدلال كونه للسلب الكلّي لا لرفع الإيجاب الكلّي ، لوضوح أنّ « ليس » في نحو : « ليس كلّ حيوان إنسانا » و « ليس كلّ إنسان بكاتب » إنّما ينفي خبره عن اسمه المفروض كونه كلّ فرد من أفراد الحيوان أو الإنسان وهذا هو السلب الكلّي ، واللفظ بظاهر وضع القضيّة وحملها لا يتحمّل كونه لرفع الإيجاب الكلّي.
فما ذكره المحقّق السيّد الشريف في حواشيه على الشمسيّة في بحث سور القضيّة من
__________________
(١) لقمان : ١٨.