وأيضا : اشتهر في الألسن حتّى صار مثلا أنّه : « ما من عامّ إلاّ وقد خصّ منه » ، وهو وارد على سبيل المبالغة والحاق القليل بالعدم. والظاهر يقتضي كونه حقيقة في الأغلب مجازا في الأقلّ ، تقليلا للمجاز* (١).
والجواب : أمّا عن الوجه الأوّل** (٢) ، فبأنّه إثبات اللّغة بالترجيح ، وهو غير جائز
_______________________________
إنّ غرضه من الوضع التفهيم.
(١) * معنى وروده على سبيل المبالغة أنّ دعوى الحصر في بيان ذلك المثل مبالغة في دعوى غلبة استعمال كلّ صيغة من هذه الصيغ في الخصوص تنبيها على كونها في أعلى مراتب الغلبة بحيث يلحق النادر معه لكمال ندرته بالمعدوم ، لا أنّ المراد به الحصر الحقيقي لئلاّ ينتقض بمثل : « أنّ الله بكلّ شيء عليم » (١) لعدم تطرّق تخصيص إليه ، والمراد بالظاهر المقتضي لكون اللفظ حقيقة في الأغلب مجازا في الأقلّ الغلبة المقتضية لظهور لحوق المشكوك فيه بالأعمّ الأغلب ، فإنّ الغالب في الألفاظ الغالب استعمالها في معنى مع ندرة استعمالها في معنى آخر كونها حقيقة في الغالب ومجازا في النادر وعلى الحكم بذلك بناء العرف.
(٢) ** والأولى أن يقرّر الجواب : بأنّ كون الخصوص متيقّن المراد إن اريد به تيقّن إرادته من اللفظ بالخصوص ، ففيه ـ مع أنّه خلاف مقتضي تقرير الدليل ـ : أنّه واضح المنع لأنّ كونه مرادا على هذا الوجه محتمل لا أنّه متيقّن.
وإن اريد به القدر المشترك المنتزع عن الاحتمالين ـ احتمال كونه من المراد على تقدير إرادة العموم ، واحتمال كونه مرادا بالخصوص على تقدير إرادة الخصوص ، فهو كالجنس المشترك بين النوعين لا يدلّ على أحدهما بالخصوص فلا يكشف عن الوضع للخصوص بالخصوص ، والوضع المسلّم عند الخصم وإن كان يقتضي مرجّحا ولكنّ ذلك الأمر المشترك بين الاحتمالين لا يصلح مرجّحا.
ودعوى كون الوضع للخصوص بالخصوص أوفق بحكمة الوضع.
يدفعها : أنّ حكمة الوضع بمعنى العلّة الباعثة على فتح باب نوع الوضع إنّما هو التفهيم
__________________
(١) البقرة : ٢٣١.