لأصالة عدم النقل ، كما مرّ مرارا. فالنكرة في سياق النفي للعموم لا غير ، حقيقة ، وهو المطلوب.
وأيضا ، لو كان نحو : « كلّ » و « جميع » من الألفاظ المدّعى عمومها ، مشتركة بين العموم والخصوص ، لكان قول القائل : « رأيت الناس كلّهم أجمعين » مؤكّدا للاشتباه* (١) ، وذلك باطل بيان الملازمة : أنّ « كلاّ » و « أجمعين » مشتركة عند القائل باشتراك الصيغ ، واللّفظ الدالّ على شيء يتأكّد بتكريره ؛ فيلزم أن يكون الالتباس متأكّدا عند التكرير.
_______________________________
بلسان قومك » وصوّبه في فهمه الثاني حيث قرّره ولم ينكره عليه بمثل ما أنكر فهمه الأوّل ، وبناء على الرواية الثانية صوّبه في كلا الفهمين حيث قرّره ولم ينكر هما عليه ، بدليل الجواب بالتخصيص لعدم إرادة العموم على الوجه الثاني ، ثمّ نزلت لتصديقه الآية الثانية ولئلاّ يلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة.
وظهر ممّا بيّنّاه أنّ الاستدلال بالقصّة المذكورة من وجهين :
أحدهما : فهم أهل اللسان وهو حجّة ، والآخر : تقرير النبيّ صلىاللهعليهوآله الّذي هو أيضا من أهل اللسان فيكون حجّة اخرى.
ويندفع بما قرّرناه ما أورد الآمدي في الإحكام على الاستدلال بها بقوله : « وأمّا قصّة ابن الزبعرى فلا حجّة فيها أيضا ، لأنّ سؤاله وقع فاسدا حيث ظنّ أنّ « ما » (١) عامّة فيمن يعقل وليس كذلك ، ولهذا قال النبيّ صلىاللهعليهوآله منكرا عليه : ما أجهلك بلغة قومك أما علمت أنّ « ما » لما لا يعقل ».
(١) * فإنّ المشترك من حكمه عند تجرّده عن قرينة تعيين المراد أن يدلّ على أحد المعنيين على وجه اشتباه المراد ، وهذا الاشتباه قائم في كلّ من المؤكّد والمؤكّد لثبوت الاشتراك فيهما معا على فرض القائل بالاشتراك ، فيكون التأكيد باللفظين تأكيدا للاشتباه ـ أي للمعنى المشتبه ـ غير رافع للاشتباه عنه ، لدلالة كلّ منهما على أحد المعنيين مع اشتباه المراد ، فالمصدر اريد به المشتبه وضعا له موضع اسم الفاعل بقرينة ما ذكره في بيان
__________________
(١) وفي الأصل : « من » بدل « ما » والصواب ما أثبتناه.