عدم اشتماله على شيء من ألفاظ العموم.
وبذلك يتّضح أنّ الاستدلال بأنّ العلماء لا يزالون يستدلّون بمثل قوله تعالى : ( السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما )(١) و ( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا )(٢) على كون المفرد المعرّف بلام الجنس مفيدا للعموم ـ كما في كلام الحاجبي والعضدي وغيرهما ـ غير ناهض على مطلوبهم ، لاستناد فهم العموم من الآيتين إلى الشرطيّة المفيدة للسببيّة.
وأمّا المناقشة في سائر تقارير التبادر بإمكان كون فهم العموم من الأمثلة المذكورة من جهة القرينة لا من حاقّ اللفظ ، فيدفعها : فرض الاحتجاج بها في موارد القطع بانتفاء القرائن حاليّة ومقاليّة ، فإنكار التبادر وفهم العموم فيها مكابرة.
وقد يستدلّ أيضا بقصّة إبن الزبعرى (٣) في اعتراضه على قوله تعالى : ( إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ )(٤) حيث إنّه لما سمعه قال : لأخصمنّ محمّدا ، ثمّ جاء وقال : يا محمّد أليس عبد موسى وعيسى والملائكة؟ فأجاب عنه صلىاللهعليهوآله بقوله : « ما أجهلك بلسان قومك أما علمت أنّ « ما » لما لا يعقل ».
وفي رواية اخرى : أجاب بأنّ المراد عبادة الشياطين الّتي أمرتهم بعبادة هؤلاء ، فنزل قوله تعالى : ( الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ )(٥) وهذا على تقدير صحّة السند أو القطع به في محلّه ، ومرجعه أيضا إلى الاستدلال بالتبادر غير أنّه تبادر في العرف القديم وما تقدّم تبادر في العرف الحاضر ، ومن فوائد تطابق العرفين في التبادر قوّة الأصل الّذي يشير إليه المصنّف فيما بعد ذلك لدفع احتمال تطرّق النقل إلى الألفاظ المذكورة إثباتا لاتّحاد العرف واللغة فيها ، وتقريب الاستدلال بما ذكر : أنّ ابن الزبعرى كان من أهل اللسان وقد فهم من لفظة « ما » في قوله تعالى : ( وَما تَعْبُدُونَ )(٦) أمرين :
أحدهما : أنّ ما يشمل العاقل وغيره.
وثانيهما : أنّ الحكم بواسطتها يشمل جميع مصاديق كلّ من العاقل وغيره الّتي منها موسى وعيسى عليهماالسلام والملائكة ، فانقدح في نفسه الاعتراض لما علمه من أنّ الأنبياء والملائكة لا يدخلون النار.
ثمّ إنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله بناء على الرواية الاولى خطّأه في فهمه الأوّل بقوله : « ما أجهلك
__________________
(١) المائدة : ٣٨.
(٢) النور : ٢.
(٣) الصراط المستقيم ١ : ٤٧.
(٤) الأنبياء : ٩٨.
(٥) الأنبياء : ١٠١. (٦) الأنبياء : ٩٨.