الوضع العامّ للموضوع له الخاصّ وإن كان كلّ من هذه الثلاث في نفسه عند دقيق النظر فاسدا كما سنشير إليه بعيد ذلك.
ولم نقف من القوم أيضا على كلام متكفّل لبيان مراده من الاحتمالات المذكورة.
نعم في عبارة الشيخ في العدّة عند حكاية هذا القول ما يعطي فهمه الوجه الرابع في خصوص آخر المراتب حيث قال : « وقال قوم من المرجئة وغيرهم أنّه ليس للعموم صيغة أصلا بل كلّما يدّعى أنّه للعموم فهو للخصوص وإنّما يفيد آخر ما يمكن أن يكون مرادا ، فإنّ آخر ما يمكن كونه مرادا ظاهر في منتهى التخصيص وهو آخر مراتب الخصوص على ما بيّنّاه » وكأنّه استظهره من دليله الأوّل حسبما بيّنّاه.
وقد عرفت أنّه معارض بدليله الثاني المقتضي لخلافه.
ويظهر من بعض عبارات العميدي في المنية أنّه فهم منه إرادة أحد الوجوه الثلاث الأوّل حيث إنّه عند إبطال احتمال كون « من » الاستفهاميّة مشتركة بين العموم والخصوص أخذ بالاستدلال على بطلانه وقال : « وأمّا بطلان كونها مشتركة بينهما فلأنّه لو كان كذلك لم يحسن الجواب إلاّ بعد السؤال عن كلّ مرتبة من مراتب الخصوص.
فإن قيل : من عندك؟ يقول : من الرجال أو من النساء؟ فإن قال : من الرجال ، يقول : من العرب أو من العجم؟ وإذا قيل : من العرب ، قيل : من ربيعة أو مضر؟ وهلمّ جرّا ، ومن المعلوم أنّ ذلك مستقبح عند أهل اللسان ، وإنّما قلنا : إنّه لابدّ من السؤال عن كلّ مرتبة لأنّ القائل بكونها موضوعة للخصوص وحده أو له وللعموم على سبيل الاشتراك لم يخصّ ذلك بمرتبة مخصوصة من مراتب الخصوص » انتهى.
وهذا ظاهر في أنّ مراده الحقيقيّة في جميع مراتبه وهي لا تخلو عن إحدى الثلاث ومن ملاحظة كلامه يظهر أنّ الإشكال المذكور يجري بعينه على القول بالاشتراك أيضا.
ثمّ إنّ الوجوه المذكورة المحتملة في مراد هذا القائل بأسرها باطلة وببطلانها يبطل أصل قوله المردّد بينها الغير الخارج عنها ، فيستغني بذلك عن إقامة الدليل على المذهب المختار ولو أقمنا مع ذلك دليلا عليه كان تفضّلا أو مبالغة في إحراز حقيّة المختار أو اقتفاء لإثر العلماء الأخيار.
فأمّا بطلان الوجه الأوّل : فلأنّ قضيّة الحقيقيّة في جميع المراتب على وجه الاشتراك المعنوي أن يكون المستعمل فيه في جميع موارد استعمالات كلّ من الألفاظ في الخصوص