التعليل المذكور والاستناد إلى العرف والعادة ، بل ربّما يشكل التوفيق بينهما لتغاير موضوعي الأصل العملي والدليل الاجتهادي.
إلاّ أن يقال : بأنّ المقصود بذلك إحراز موضوع حكم العرف والعادة ، بتقريب : أنّ العلم بانحصار المصلحة فيما لا يتوقّف على النيّة قرينة تنهض على كون المأمور به معاملة مندرجة في الواجب التوصّلي الغير المتوقّف صحّته على النيّة ، فلا يبقى لحكم العرف باشتراط النيّة موضوع إلاّ ما لم يعلم فيه بانحصار المصلحة.
وأمّا ما علم فيه بانحصار المصلحة فيما يتوقّف على النيّة فهو ما ثبت اشتراط النيّة فيه بنفس هذا الفرض ، الّذي مرجعه إلى الاستناد إلى دليل المصلحة المعلومة المتوقّفة على النيّة ، فلا يندرج ذلك أيضا في موضوع العرف والعادة فتأمّل.
مع إمكان [ أن يقال : ] أنّ الشكّ في المصلحة أو انحصارها كثيرا مّا يرتفع بملاحظة إطلاق الأمر المفيد لكون غرض الآمر حصول المأمور به كيفما اتّفق.
وقد يورد عليه أيضا : بانتقاض عكسه بالعبادة الّتي علم فيها بانحصار المصلحة في التوصّل إلى امتثال الأمر بغيرها كالطهارة ، وبانتقاض طرده بالواجبات الّتي ليست عبادة ولا ينحصر مصلحتها في شيء كوجوب توجيه الميّت إلى القبلة ، وللنظر فيهما مجال يظهر وجهه بأدنى تأمّل (١).
ومنها : ما يعمّ الواجبات التوصّليّة وأنواع العقود والإيقاعات بل المباحات الأصليّة ، وهو ما احتاج ترتّب الثواب عليه إلى النيّة فإنّ الواجب التوصّلي أيضا إذا اتي به بقصد الإطاعة وداعي امتثال الأمر يترتّب عليه الثواب فيكون ممّا يحتاج ترتّب الثواب عليه إلى
__________________
(١) وذلك : لمنع انحصار المصلحة في الأوّل في جهة التوصّل ، لجواز أن يكون المقصود منه مصلحة اخرى متوقّفة على النيّة غير جهة التوصّل من حصول التقرّب وارتفاع الدرجة ونحو ذلك ، وممّا يفصح عن ذلك استحباب الطهارة لنفسه ورجحانها الذاتي الّذي لا مدخل فيه لجهة التوصّل ، فمن هنا يمكن لك أن تقول : بأنّ التوقّف على النيّة فيها إنّما هو من لوازم الجهة الذاتيّة لا الجهة التوصليّة العارضة لها.
ومنع عدم انحصارها في الثاني ، لجواز انحصارها في الواجبات المذكورة في شيء معلوم غير متوقّف على النيّة كاحترام الميّت في المثال المذكور ، نعم الّذي لا يعلم به فيها ربّما يكون الحكمة الداعية إلى تخصيصها وسيلة إلى حصول تلك المصلحة المعلومة ، وهذه كما ترى ممّا لا مدخل لها في المصلحة الّتي هي عبارة عن الغاية الّتي قصد ترتّبها على الفعل ، والكلام في معلوميّة انحصار ذلك وعدم معلوميّته لا في معلوميّة كلّ ما له دخل في التشريع ، فتأمّل [ نقلناه عن التحرير الأوّل من التعليقة بخطّه رحمهالله تتميما للمرام ].