وأمّا دفع ما ذكر ثانيا : فبمنع بطلان اللازم ، إذ النيّة المعتبرة في المأمور به التعبّدي جزءا أو شرطا عبارة عن قصد الإطاعة والانقياد أو قصد امتثال الأمر أو قصد حصول التقرّب.
وأيّا مّا كان فالقصد إذا كان من فعل المكلّف يستحيل كونه داعيا إلى الأمر بل هو داع إلى الفعل ، والّذي هو داع إلى الأمر إنّما هو قصد أحد الامور المذكورة بالمعنى الراجع إلى الشارع الآمر ، وهو بهذا المعنى لم يعقل كونه جزءا أو شرطا في المأمور به بل لم يقل به أحد.
وأمّا ما ذكر في العلاوة ففيه : أنّ كون النيّة جزءا أو شرطا أمر منوط باعتبار المعتبر ، إذ لو قسناها إلى كلّي المأمور به كانت شرطا للوجود ولو قسناها إلى ما يحصل الإتيان به من الفرد الخارجي كانت شرطا للصحّة ، إذ قد عرفت أنّ موافقة الأمر في معنى الصحّة لا تستقيم إلاّ إذا اعتبرت وصفا للفرد الخارجي المأتيّ به فكونه موافقا للمأمور به الكلّي محتاج إلى النيّة ، وهذا هو معنى كونها شرطا للصحّة بمعنى موافقة الأمر.
وأمّا الثالث : فلأنّ المراد بالأثر في معنى الصحّة ليس هو الموافقة ولا الإسقاط ، بل امور اخر منوط ترتّبها على الفعل بالنيّة كحصول التقرّب والزلفى وارتفاع الدرجة والوصول إلى المراتب العالية الرفيعة أو تكميل النفس فيما عدا الوقف والعتق ، والغاية المقصودة من وضع الوقف والعتق [ المتوقّف صحّتهما على النيّة ](١) فيهما ممّا هي متعلّقة بالمال كالإخراج عن الملك فيهما على قول في الوقف أو في خصوص العتق ، وأمّا الوقف على القول الآخر فالأثر المقصود منه نقل ملك العين أو حبسها على وجه لا يجري عليها التصرّفات الناقلة ، ونمنع ترتّب نحو هذه الآثار على الخالية عن النيّة.
ومن الأعلام من عرّف العبادة بما لم يعلم انحصار المصلحة فيها في شيء سواء لم يعلم المصلحة أصلا أو علمت في الجملة ، جاعلا له عبارة اخرى لما ذكرناه.
ثمّ قال : « واحتياجها إلى النيّة وهو قصد الامتثال والتقرّب من جهة ذلك » يعني من جهة عدم العلم فيها بانحصار المصلحة في شيء ، وعلّله : « بأنّ امتثال الأمر لا يحصل إلاّ بقصد إطاعته في العرف والعادة والموافقة الاتّفاقيّة لا يكفي ».
وفيه : مع انتقاض عكسه بما علم كون المصلحة فيه التقرّب والزلفى أو تكميل النفس لا غير ـ أنّ استناد الاحتياج إلى النيّة إلى عدم العلم بانحصار المصلحة يقتضي كون مدركه قاعدة الاشتغال مع قيام احتمال كون التقرّب هو المصلحة أو من جملتها ، وهذا لا يلائم
__________________
(١) أضفناه طبقا للتحرير الأوّل من التعليقة بخطّ يده الشريف رحمهالله ، إيضاحا للمرام.