ما عدا هذين الأثرين من الآثار الاخر على الخالية عن النيّة.
وفيه ما لا يخفى من ابتنائه على السهو والخلط والاشتباه ، لأنّه لو بني على الإغماض عمّا قرّرناه من لزوم إرادة المعنى الثالث ليندرج ما هو من قسم العقود أو الإيقاعات في الحدّ ودفعا للإشكال المتقدّم الوارد على إرادة أحد المعنيين الأوّلين يمكن إرادة كلّ من المعاني الثلاث ودفع جميع المحاذير المتوهمة في ارادة هذه المعاني.
أمّا الأوّل : فلمنع استلزام إرادته الدور بمنع توقّف معرفة صحّة العبادة على معرفة نفسها ، إذ الوجه في توهّم هذا التوقّف إن كان تعريفهم لصحيح العبادة بما أسقط القضاء كما هو ظاهر عبارة تقرير الدور ، ففيه : أنّ هذا التعريف للصفة لا للموصوف.
وتوضيحه : أنّ إضافة الصحيح إلى العبادة من إضافة الصفة إلى الموصوف وأصله العبادة الصحيحة ، والمقصود من التعريف معرفة الصحّة لا معرفة العبادة ، لأنّ معرفتها إنّما حصلت من تعريفها بما احتاج صحّته إلى النيّة ، فقولهم : « صحيح العبادة ما أسقط القضاء » في معنى قولهم : « صحّة العبادة إسقاط القضاء » فمعرفة صحّة العبادة حينئذ متوقّفة على معرفة إسقاط القضاء لا على معرفة العبادة فلا دور.
وإن كان دخول القضاء في مفهوم الصحّة بالمعنى المذكور المأخوذة في تعريف العبادة بتقريب : أنّ القضاء بمعنى مطلق التدارك عبارة عمّا يعمّ العبادة المعادة والعبادة الواقعة في خارج الوقت ، فالعبادة داخلة في تعريف الصحّة كما أنّ الصحّة داخلة في تعريف العبادة ، فيتّجه أن يقال : إنّ معرفة صحّة العبادة متوقّفة على معرفة نفسها والمفروض أنّ معرفة نفسها أيضا متوقّفة على معرفة صحّتها.
ففيه : منع كون القضاء في تعريف الصحّة مرادا به ما ذكر ، بل هو عبارة عن الإتيان بالمأمور به ثابتا في الوقت أو في خارجه لوقوع خلل في الإتيان الأوّل ، فمعرفة الصحّة متوقّفة على معرفة ذلك لا على معرفة العبادة.
وأمّا الثاني : فلمنع استلزام إرادته شمول الحدّ للتوصّليّات بمنع احتياج موافقة الأمر فيها ـ على معنى كون الفرد المأتّي به موافقا للمأمور به الكلّي ـ إلى النيّة وإلاّ لم يكن توصّليّا.
والسرّ في احتياجه إليها في الواجب التعبّدي كون النيّة معتبرة فيه جزءا أو شرطا فالفرد الخارجي المأتيّ به لا يوافقه إلاّ بتقدير اقترانه بالنيّة بخلاف التوصّلي فإنّ النيّة ليست معتبرة فيه أصلا ، فلا يحتاج موافقة فرده الخارجي إليها هذا في دفع ما ذكر أوّلا.