تامّة للوجوب ، ولكنّهما بعد اجتماعهما صار تامعا علّة تامّة فكلّ منهما حينئذ جزء للعلّة التامّة كالحرارة الوحدانيّة العارضة للماء بواسطة الشمس والنار إذا اجتمعتا واشتركتا في تسخينه.
وبالجملة الثواب متكثّر والحسن متكرّر والطلب متأكّد لا أنّه متكرّر كالحسن ، والنقض إنّما يتوجّه على تقدير تكرّر الطلب لا مجرّد تكرّر الحسن والمصلحة.
أقول : العمدة في المقام النظر في تصحيح هذا النقض ودفعه إنّما هو إحراز الصغرى وإلاّ فالكبرى ممّا لا إشكال فيه ، فإنّ استحالة اجتماع المثلين كاستحالة اجتماع الضدّين ممّا لا يستريب فيه جاهل فضلا عن العالم الفاضل.
والدليل على ذلك [ تارة ] : قاعدة عدم قابليّة المحلّ.
واخرى : منافاة الاجتماع للاثنينيّة اللازمة للمثلين كما هو قضيّة وضع التثنية.
وثالثة : أداء اجتماعهما إلى اجتماع الضدّين.
أمّا الأوّل : فلقضاء الضرورة بأنّ كلاّ من المثلين كما في الضدّين يستدعي محلاّ قابلا فارغا عن قيام صاحبه به ليقوم به ، وكما أنّ المحلّ في الضدّين بقيام أحدهما به يخرج عن قابليّة قيام الضدّ الآخر به فيستحيل اجتماعهما من جهة عدم قابليّة المحلّ ، فكذلك المحلّ في المثلين فإنّه بقيام أحدهما به وحصوله فيه يخرج عن كونه قابلا للمثل الآخر فيستحيل اجتماعهما لعدم قابليّته.
وأمّا الثاني : فلأنّ المثلين يلزمهما الاثنينيّة والاثنينيّة يلزمها الامتياز الخارجي والاجتماع رافع للامتياز الخارجي وإلاّ يتعدّد المحلّ فلا اجتماع فيكون رافعا للاثنينيّة.
وخلاصة هذا الوجه : أنّ معنى استحالة اجتماع المثلين في محلّ واحد أنّه لا يعقل فرض كونهما في المحلّ الواحد على وجه يصدق عليه عنوان الاجتماع مع بقاء كونهما مثلين حال صدق هذا العنوان ، لأنّ الواقعة في اجتماعهما غير خالية عن فرض الامتياز بينهما أو فرض عدمه ، والأوّل ينافي الاجتماع والثاني ينافي الاثنينيّة ، ومرجعه إلى أنّ الاجتماع رافع للاثنينيّة والاثنينيّة مانع من الاجتماع فهما متنافيان.
وأمّا الثالث : فلأنّ أفراد ماهيّة واحدة امور متبائنة ، ولذا لا يصدق بعضها على بعض ولا يصحّ الحمل فيما بينها ، والتبائن لا يتأتّى إلاّ باعتبار مشخّصاتها والمشخّصات لا تكون إلاّ امورا متضادّة كالطول والقصر والسواد والبياض وغيرها في أفراد الإنسان ، والشدّة والضعف وغيرهما في أفراد السواد والبياض ، إلى غير ذلك من خصوصيّات الزمان