بتعلّقه في الجملة بماثبت وجوبه باللبّ والأصل ينفيه ، فارتفع بذلك موضوع الأصل المذكور.
مضافا إلى الشكّ في اندراج ما ذكر من الضيق في عموم أدلّة ذلك الأصل فيبقى قاعدة الشغل المقتضية للقطع بالبراءة مع استصحاب الأمر وأصالة عدم الإجزاء سليمة عن المعارض.
مضافا إلى قاعدة التوقيف في العبادات الموجبة لاندراج ما لم يثبت توقيفه من الشرع بالخصوص في عموم أدلّة البدعة المحرّمة ، ولو سلّم جريان أصل البراءة واستقامته في المقام فهو لا يصلح للمعارضة للأصلين المذكورين ، لما قرّر في محلّه من ورودهما عليه ، إلاّ أن يوجّه المقام بادراج التعيين المشكوك في اعتباره مع المأمور به في سنخ الشروط الّتي ينفيها الأصل في موضع الشكّ ، ولا يعارضه الأصلان لوروده عليهما في هذا المقام من جهة كون شكّه سببيّا.
وفيه : أنّ هذا الكلام إنّما يتمّ في الشروط الحقيقيّة ، وهي الامور المستقلّة الخارجة عن ذات المأمور به الّتي يحتاج شرطيّتها له إلى ورود نصّ خاصّ فينفي احتمال شرطيّتها في موضع الشكّ بالأصل المستفاد من قوله عليهالسلام : « كلّ شيء مطلق حتّى يرد فيه نصّ » بخلاف المقام ، فإنّ التعيين ليس بأمر خارج عن ذات المأمور به بل هو من مقتضيات حقيقته المتعيّنة ، فلا يحتاج اعتباره مع المأمور به إلى ورود نصّ بالخصوص ، بل يكفي في ثبوته عدم ورود دليل على إسقاطه ، والمفروض فقد ما يوجب سقوطه من الأدلّة الشرعيّة ، وعدم الدليل في مثله يكفي في ثبوت العدم ، فلا أصل في البين يكون واردا على الأصلين.
ولأجل ذلك صرّح بعض الأعاظم فيما تقدّم من كلامه بكون الأصل في موضع التردّد في جانب التعييني تمسّكا بالأصلين المذكورين ، وقد نصّ بذلك أيضا بعض الأفاضل في قوله : « وأمّا إذا ثبت وجوب شيء بالعقل أو الإجماع ودار بين وجهين أو وجوه من المذكورات فالظاهر البناء على الوقف ، إذ لا ترجيح لأحد الوجوه في حدّ ذاته ، ولا إطلاق حينئذ ليؤخذ بمقتضاه ، ويرجع حينئذ في العمل إلى الاصول الفقهيّة فمع الدوران بين الوجوب التعييني والتخييري يؤخذ بالأصل لحصول اليقين بالبراءة بأداء ذلك الفعل دون غيره ، وكذا مع الدوران بين العيني والكفائي ». انتهى.
فتقرّر بما ذكرنا : أنّ الأصل عند دوران الأمر بين التعييني والتخييري هو التعييني إلاّ أن يثبت دليل على خلافه ، سواء ثبت الوجوب بالأدلّة اللفظيّة أو الأدلّة اللبّية ، ولا يتفاوت الحال فيما ثبت الوجوب باللفظ بين كون ما يفيد الوجوب صيغة الأمر أو مادّة الأمر أو