والخيط ، بل المراد به ما هو من لوازم الجسم ـ وهو المبغوض في نظر السيّد ـ وليس بعين الخياطة ولا متّحد معها في الوجود ، بل له وجودا آخر نظير النظر إلى الأجنبيّة مع الصلاة لشهادة الحسّ والعيان ، مضافا إلى أنّه يجامع كلاّ من وجود الخياطة وعدمها ، كالقاعد الساكن في المكان المذكور الغير المتشاغل بالخياطة والقاعد فيه المتشاغل بها ، فإنّهما متشاركان في الكون فيه مع تشاغل أحدهما بالخياطة دون صاحبه ، فالخياطة ليست بعين الكون فيه بل شيء زائد عليه بخلافه مع الغصب ، وسيلحقك زيادة بيان في ذلك.
ثمّ إذ قد عرفت أنّ مرجع البحث في هذه المسألة إلى التنافي بين الوجوب والحرمة أو الواجب والحرام فيما تعلّق الأمر والنهي بكلّيّين بينهما عموم من وجه ، فاعلم أنّه ذكر بعض من قاربنا عصره في الفرق بين هذه المسألة والمسألة الآتية وجوها بعيدة لا ينبغي الالتفات إليها.
ويظهر من بعض الأعلام (١) الجزم بكون الفرق بينهما في كون النسبة بين المأمور به والمنهيّ عنه هنا عموما من وجه وفي ما يأتي عموما مطلقا. وهذا بحسب العنوان وإن كان كذلك في الجملة لكون المنهيّ عنه فيما سيأتي أخصّ مطلقا من المأمور به إذا كان عبادة ، إلاّ أنّه لا يحسم مادّة الإشكال المتوهّم في المقام من كون البحث الآتي مستغني عنه بالبحث هنا.
ومن الفضلاء (٢) من فرّق بينهما بأنّ النزاع هاهنا فيما إذا تعلّق الأمر والنهي بطبيعتين متغايرتين بحسب الحقيقة وإن كان بينهما عموما مطلقا ، وثمّة فيما إذا اتّحدتا حقيقة وتغايرتا بمجرّد الإطلاق والتقييد ، بأن تعلّق الأمر بالمطلق والنهي بالمقيّد ، ونبّه على ذلك أيضا في مبادئ المسألة مصرّحا : « بأنّه لا فرق في موضع النزاع بين أن يكون بين الجهتين عموم من وجه كالصلاة والغصب. وبين أن يكون بينهما عموما مطلقا مع عموم المأمور به ، كما لو أمره بالحركة ونهاه عن التداني إلى موضع مخصوص فتحرّك إليه ، فإنّ الحركة والتداني طبيعتان مختلفتان وقد أوجدهما في فرد واحد » (٣) ووافقه على ذلك بعض مشايخنا قدسسره.
وربّما يتخيّل الفرق بينهما بكون مسألتنا هذه عقليّة والمسألة الآتية لفظيّة منوطة بالعرف.
ويمكن أن يقال في الفرق بينهما : بأنّ النزاع في المقامين إنّما هو في التنافي بين مقتضي النهي وعدمه ، غير أنّ النزاع في المقام الآتي مخصوص بالمجوّزين لاجتماع الأمر
__________________
(١) القوانين ١ : ١٥٥.
(٢) الفصول : ١٤٠.
(٣) الفصول : ١٢٥.