فنقول : إنّ الواجب باعتبار المبدأ مأخوذ عن الوجوب باعتبار معناه المبنيّ للمفعول ، ولمّا كان الوجوب باعتبار معناه للفاعل حسبما هو مأخوذ في مفهوم الأمر والصيغة عرفا ولغة ماهيّة مركّبة عن طلب الفعل المقرون بالمنع عن الترك فيعتبر معناه للمفعول الّذي هو أثر منه على حسبه ، فيكون الواجب المأخوذ منه عبارة : « عمّا طلب فعله ومنع عن تركه » فيخرج المباح بقيد « الطلب » والمحرّم والمكروه باعتبار تعلّقه بالفعل والمندوب بالقيد الأخير ، فسلم الحدّ في طرده ولا ينتقض في عكسه بالموسّع والمخيّر والكفائي ، لأنّ « المنع من الترك » الّذي هو فصل للوجوب لابدّ وأن يعتبر في مفهوم الواجب على حسب ما اعتبر فيه الطلب الّذي هو جنس للوجوب ، والمفروض اعتبار تعلّقه في الموسّع بالفعل في مجموع الوقت المضروب له ، فكان المنع متعلّقا بتركه في مجموع ذلك الوقت لا مطلقا ، بمعنى أنّ المطلوب لمّا كان هو الفعل في مجموع أجزاء الوقت فكان الممنوع تركه في مجموع الوقت لا مطلقا فتركه في بعض أجزائه ليس بممنوع.
واعتبار تعلّقه في المخيّر بين الإطعام والصيام ـ مثلا ـ بالإطعام المقيّد بعدم حصول الصيام ، والصيام المقيّد بعدم حصول الإطعام ، فكان المنع متعلّقا بترك المقيّدين لا الإطعام والصيام مطلقا ، بمعنى أنّ المطلوب فعل ما كان منهما مقرونا بترك الآخر ، فيكون الممنوع ترك ما كان منهما مقرونا بترك الآخر لا مطلقا ، فترك الصيام بعد حصول الإطعام ليس ممنوعا لأنّه لم يكن مطلوبا ، كما أنّ ترك الإطعام بعد حصول الصيام ليس ممنوعا لأنّه لم يكن مطلوبا.
واعتبار تعلّقه في الكفائي بجميع المكلّفين على نحو يسقط بفعل البعض عن الباقين ، فهو قبل حصول المسقط مطلوب من الكلّ فعله وممنوع تركه ، وارتفاع هذا المعنى بعد حصوله فيما لم يحصل أداؤه إنّما هو لانتفاء موضوعه ، فيصدق على كلّ واحد أنّه ما طلب فعله ومنع عن تركه ، وهذا هو الّذي يساعد إليه التدبّر في تحديد الواجب على وجه يتناول ما هو بحسب الشرع وما هو بحسب العرف في جميع أنواعه ممّا يضاف إلى العالي أو غيره.
وأمّا ما قيل في تحديده : من « أنّه ما يذمّ تاركه » ، أو « ما يذمّ تاركه لا إلى بدل » ، أو « ما يذمّ لا إلى بدل ولا عن عذر » ، أو « ما يعاقب تاركه » ، أو « ما يستحقّ تاركه العقاب » ، أو « ما يستحقّ تاركه لا إلى بدل العقاب » ، أو « ما يستحقّ تاركه لا إلى بدل الذمّ أو ذمّا » أو « ما يذمّ تاركه بوجه مّا » ، أو « ما يذمّ تاركه شرعا على بعض الوجوه » فليس شيء منها بشيء لابتنائها على اصطلاح صرف ، أو كونها تفسيرا للشيء بلازمه في أخصّ صوره ، موجبا