وإجماله : أنّ حصول الامتثال بكلّ واحد فرع وجوب كلّ واحد على التعيين وأنتم لا تقولون به ، وما تذهبون إليه من وجوب كلّ واحد على البدل والتخيير لا يستدعي إلاّ الامتثال بواحد من حيث استلزامه تعلّق الوجوب بواحد كما مرّ شرحه بما لا مزيد عليه.
وعن الثاني : بأنّ الوجوب وإن كان أمرا معيّنا ويقتضي محلاّ معيّنا ولكن يكفي فيه كونه معيّنا بوجه مّا وهو في كلّ شيء بحسبه ، والواحديّة ممّا يوجب تعيّنا فيه كما أنّ الاثنينيّة ممّا يوجبه وهكذا إلى آخر المعيّنات العدديّة ، والممتنع تعلّق المعيّن بما يكون غير معيّن من جميع الجهات ، والتعيّن في بعض الجهات يرفع الامتناع الملحوظ في المقام ، ولذا ترى أنّ الفقهاء يعتبرون في صحّة العقد معلوميّة المبيع ويجعلونه من أركان البيع لئلاّ يلزم الغرر المجمع على نفيه ، ومع ذلك يكتفون فيها بالنسبة إلى كلّ شيء بما يرجع إلى بعض الجهات ممّا هو متعارف في تعيينه في العرف والعادة من عدد أو وزن أو كيل أو ذرع أو نحوه من المقادير ، والمفروض أنّ الملك أيضا أمر معيّن من جهة كونه أمرا وجوديّا يقتضي محلاّ معيّنا.
هذا على مذهب من يرى الواجب واحدا لا بعينه.
وأمّا على المختار فنقول : إنّ تعيين متعلّق الوجوب لو اريد به ما يرجع إلى حقيقته المتعيّنة في نفس الأمر الممتازة به عن كلّ ما سواها الملحوظة عنوانا في تعليق الوجوب ، فهو حاصل بإيجاب كلّ واحد بالخصوص على وجه التخيير الموجب لتحقّق عنوانين مقيّدين في كلّ بقيدين متقابلين ، وذلك لا يقتضي كون الواجب معيّنا على الإطلاق وعلى كلا التقديرين كما لا يخفى.
ولو اريد به ما يكون مناطا لحصول الامتثال كما في الواجب المعيّن ، فلا نسلّم كون كلّ وجوب مقتضيا لذلك ، وإلاّ لما كان بين الوجوب التعييني والتخييري فرق بالذات ، والاتّفاق واقع على أنّهما متفارقان لذاتهما.
وبذلك يظهر الجواب عن الثالث : فإنّ الثواب والعقاب يتبعان الشيء على حسب ما اعتبره الشارع عند تعليق الوجوب ، ولمّا كان ما أوجبه الشارع في المخيّر هو كلّ واحد بالخصوص حال عدم حصول الآخر فالثواب يترتّب على فعل واحد حال ترك الآخر ، والعقاب يترتّب على ترك ذلك الواحد حال ترك الآخر ، فلو أتى بالجميع دفعة فإن قصد الامتثال بواحد يثاب بذلك الواحد ، ولا يقتضي ذلك تعيينا في نفس الأمر ، لأنّ تعيينه يقتضي تعيين الممتثل لا تعيين ما يمتثل به كما يشهد به الذوق السليم والوجدان المستقيم ،