الثالث لو لم يصحّ ، لم يعلم إبراهيم عليه السلام وجوب ذبح ولده ؛ لانتفاء شرطه عند وقته ـ وهو عدم النسخ ـ وقد علمه وإلاّ لم يقدم على ذبح ولده ولم يحتج إلى فداء* (١).
الرابع كما أنّ الأمر يحسن لمصالح تنشأ من المأمور به ، كذلك يحسن لمصالح تنشأ من نفس الأمر. وموضع النزاع من هذا القبيل ، فانّ المكلّف من حيث عدم علمه بامتناع فعل المأمور به ، ربّما يوطّن نفسه على الامتثال ، فيحصل له بذلك لطف في الآخرة وفي الدنيا ، لانزجاره عن القبيح. ألا ترى : أنّ السيّد قد يستصلح بعض عبيده بأوامر ينجّزها عليه ، مع عزمه على نسخها ، امتحانا له. والانسان قد يقول لغيره : « وكّلتك في بيع عبدي » مثلا ، مع علمه بأنّه سيعزله ، إذا كان غرضه استمالة الوكيل أو امتحانه في أمر العبد.
___________________________________
بعد الفعل ومعه منقطع وقبله لا يعلم فإن فرضته متّسعا ، فرضنا زمنا زمنا فلا يعلم أبدا ، وذلك باطل ».
(١) * كون الشرط هنا عدم النسخ ما وقع في كلام جماعة من أصحابنا منهم (١) ولكن عبارة المختصر وغيرها من عبارات أهل هذا القول خالية عن التمثيل به ، ويحتمل الموافقة لما ذكر كما يحتمل المخالفة ، فأمّا على ما ذكر فتوجيه انتفاء الشرط حينئذ هو أنّ شرط الوقوع عندهم أعمّ من عدم منع مانع والمانع أعمّ من الشرعي ، ومن المعلوم أنّ ذبح [ الولد ] في أصله قبيح وحكمه التحريم ، فلمّا أمر الله تعالى إبراهيم عليهالسلام بذبح ولده كان رفعا لهذا المنع ، وحيث نسخه في وقت الذبح عاد إلى قبحه وتحريمه الأصلي ، أو أنّ نسخ الوجوب هنا كان متعقّبا للتحريم وهو منع شرعيّ ، والمنع الشرعي كالمنع [ العقلي ] فيكون رافعا للقدرة والتمكّن ، فكان الذبح في وقته ما انتفى عنه شرط وقوعه في علم الآمر ، وقد علم إبراهيم عليهالسلام وجوبه فيه ولذا أقدم عليه وجاء له الفداء ، فلو لم يصحّ الأمر لما علم وجوبه لقيام احتمال انتفاء الشرط عنده بورود النسخ في وقته.
وأمّا على ما في عبارة المختصر على احتمال المخالفة فيمكن توجيه انتفاء شرط الوقوع بأنّ من شرائط وقوع الذبح كون المحلّ قابلا للتأثير وأن لا يكون هناك مانع عن
__________________
(١) كذا في الأصل.