لأنّ المشروط عدم عند عدم شرطه وهو خلاف ما علم بالضرورة والوجدان.
ففيه : ما تقدّم من أنّ الأمر الابتلائي ليس من باب الطلب الحقيقي بل هو إنشاء لصورة الطلب إدراكا لمصلحة الابتلاء ، فهو ملحوظ من باب غاية الخطاب من دون أن يتحقّق معه طلب يتعلّق بالفعل ، ولو سلّم فهو طلب يرجع إلى ما يحصل به الابتلاء من العزم والتوطين وفعل المقدّمات لا إلى نفس الفعل المنتفي عنه شروط الوقوع.
ولا ريب أنّه حينئذ أمر بما جامع الشروط لكون الانتفاء مفروضا في الفعل الّذي لو لا انتفاؤها فيه لكان هو المأمور به لا في مقدّماته ولا في العزم عليه ولا توطين النفس لأجله ، فالأمر الابتلائي له اعتباران ، والفرق بينهما أنّ الأوّل تصرّف في صيغة الأمر الموضوعة لإنشاء الطلب الحقيقي بإرادة الطلب الصوري ، والثاني تصرّف في مادّته بإرادة أحد الامور المذكورة من المادّة الموضوعة لأصل الفعل.
فالحقّ في المسألة : أنّ الشرط المنتفي إن كان كالإرادة ممّا هو مقدور للمكلّف فلا مانع من الأمر بالمشروط مع العلم بانتفائه حتّى مع العلم بعدم لحوقها لوجود الصارف ، لأنّ المقدور بالواسطة مقدور ، والمأمور بالمشروط مكلّف بإيجاد الشرط أيضا مقدّمة ، وإن كان ممّا عداها من الشروط الغير المقدورة له كالطهارة عن الحيض والحياة والقدرة والعقل وعدم المانع فهي شروط في التكليف أيضا ولا يصحّ لمن علم انتفاء شيء منها أن يأمر بالمشروط على وجه رجع مفاده إلى الأمر الحقيقي لقبح التكليف بغير المقدور ، إلاّ إذا كان الشرط المنتفي بحيث يلحقه ويوجد له فيما بعد فيصحّ الأمر به حينئذ مطلقا أو مشروطا مع كون المطلوب إيقاعه بعد حصول الشرط ، فيصحّ مع تقييد المأمور به أيضا بما بعد حصوله كأن يقول : « صم غدا بعد ما عشت فيه » و « أكرم زيدا بعد ما جاءك » و « افعل كذا بعد ما قدرت عليه » لكون المعنى في الجميع بحسب اللبّ واحدا على ما يقضي به القوّة العاقلة والوجدان الضروري.
وأمّا الأمر الابتلائي فيما لا يلحقه الشرط فقد عرفت أنّه ليس من التكليف الحقيقي ، ولو سلّم فهو تكليف بما هو خارج من موضوع المسألة مع صحّته على التقديرين بلا خلاف وإن تضمّن تجوّزا في الصيغة أو المادّة ، إلاّ إذا أدّى إلى الجمع بين معنى الحقيقي والمجازي في الخطاب فيما لو توجّه إلى متعدّدين مع اختلاف حالاتهم في استكمال الشرائط وعدمه ، فحينئذ لا يصحّ تناوله للفاقدين منهم على وجه الحقيقة ولا على نحو