الواجب الوجود بالذات المستجمع للصفات وإثباتها له ، أو نفي غيرها من الصفات كالوجود أو الإمكان (١) أو الاستحقاق للعبادة عمّا سواه وإثباته له؟ ففيه وجهان مبنيّان على استغناء كلمة « لا » في هذا التركيب عن الخبر أو افتقاره إليه ، فقيل بالأوّل بدعوى كونه في الأصل « الله إله » فقدّم الإله طلبا للحصر ثمّ أدخل عليه الحرفان تأكيدا أو لتصحيح الابتداء بالنكرة ، وقيل بالثاني نظرا إلى أنّ كلمة « لا » يستدعي اسما وخبرا والأصل عدم الزيادة.
واختلفوا في الخبر فقيل : يقدّر « ممكن » فأورد عليه : بأنّه لا يدلّ على وجوده تعالى ، بالفعل لأنّ الإمكان أعمّ من الوجود.
وقيل : يقدّر « موجود » فأورد عليه : بأنّه لا ينفي إمكان غيره لأنّ نفي الخاصّ لا يستلزم نفي العامّ.
وقيل : يقدّر « مستحقّ للعبادة » فأورد عليه : بأنّه لا ينفي التعدّد مطلقا لا إمكانا ولا وجودا.
وقيل : يقدّر « الجميع » فأورد : بأنّه أمر لم يثبت جوازه في اللغة بل هو أشبه شيء باستعمال اللفظ في أكثر من معنى ، فتأمّل.
وقيل : إنّها نقلت شرعا للدلالة على التوحيد بمعنى نفي إمكان إله غيره ووجوده وإثباتهما له تعالى وإن لم تدلّ عليه لغة ، فأورد عليه : ـ مع ما فيه من البعد الواضح ـ بأنّها كانت كلمة إسلام في صدر الإسلام مع عدم تحقّق نقل وتخصيص ثمّة.
والراجح في النظر القاصر هو القول بالاستغناء ، لا لأنّ كلمة [ لا ] زائدة للتأكيد أو غيره ، بل لكون معمول الاسم على النيابة عن الفاعل سادّ مسدّ خبره ، فإنّ المستثنى مفرّغ ورفعه على حسب اقتضاء العامل وهو « الإله » فإنّه مصدر بمعنى المفعول وهو « المألوه » بمعنى المعبود كالكتاب بمعنى المكتوب ، والمستثنى منه غير مذكور وهو « أحد » والمستثنى قائم مقامه في الإعراب على النيابة عن الفاعل ، والمعنى مع التقدير : « لا معبود أحد إلاّ الله ».
والظاهر المنساق منه في النفي والإثبات المعبوديّة على جهة الاستحقاق ، فلا ينافي نفيها ثبوت المعبوديّة في الآلهة الباطلة ، وإثباتها له تعالى يدلّ بالالتزام على وجوده بالفعل بل وجوب وجوده ، لأنّ المعدوم لا يعقل عبادته فضلا عن استحقاقه للعبادة.
وأمّا عدم إمكان غيره تعالى للالوهيّة حتّى بمعنى المعبوديّة على جهة الاستحقاق فيدلّ عليه هذه الكلمة باعتبار حذف المتعلّق ، فإنّ نفي المعبوديّة على جهة الاستحقاق
__________________
(١) كذا في الأصل ، والأنسب بالعبارة « الوجوب » بدل « الإمكان » فتأمّل.