والنهاية جزءان للمسافة أو فردان لها؟ وجهان بل قولان ، أحدهما ما عرفت عن التلويح ، والآخر ما عن الجلبي من أنّ التوجيه الخالي عن شائبة التعسّف أن يقال : انّ الغاية مستعملة في معناها الحقيقي وهو جنس ، والابتداء والانتهاء فردان له ، فكأنّ إضافتهما إليها إضافة الفرد إلى الجنس.
والحقّ أن يقال : إنّ البداية والنهاية إن أضفناهما إلى مصداق المسافة كانا جزئين لهما لا محالة.
وإن أضفناهما إلى مفهومها كان فردين لها فهي من باب الجنس الشامل للقليل والكثير.
وكان الخلاف بين الجلبي ومن تقدّم عليه لفظيّ كما لا يخفى على المتأمّل.
وأمّا ما عرفت عن الجلبي من جعل إضافتهما إلى المسافة من باب إضافة الفرد إلى الكلّي ، ففيه : ما لا يخفى على الأديب ، فإنّ إضافة الأخصّ إلى الأعمّ ممّا لا يصحّ عند أهل الأدب.
ومنها : النهاية الّتي صرّح بها في المجمع بقوله : « والغاية منتهى الشيء ونهايته ، ومنه سمّيت الظروف كقبل وبعد غايات ، لأنّ غاية الكلام كانت ما اضيفت هي إليه ، فلمّا حذفت صرن غايات ينتهي بهنّ الكلام ، ومنه أيضا ما في الحديث : « الموت غاية المخلوقين » (١) أي نهايتهم الّتي ينتهون إليها » (٢).
والظاهر أنّ المنتهى إليه الشيء مقول بالاشتراك على ما يبلغه ذلك الشيء ولا يتجاوزه إلى غيره ، وعلى ما ينقطع عنده ذلك الشيء.
والفرق بينهما حقيقي يظهر بأدنى تأمّل.
وإن شئت فعبّر عن الأوّل بآخر المسافة بالمعنى الأعمّ ، وعن الثاني بما بعد المسافة ، وهذان الاعتباران يجريان في المعنى الحرفي الرابطيّ المأخوذ مدلولا لكلمة « إلى » و « حتّى » كما يشهد به الاستعمالات الواردة لدى العرف وأهل اللغة ، فمن الأوّل قولك : « ملك الأمير البلاد أو فتحها من ساحل البحر مثلا إلى الشام » وقوله تعالى : ( فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ )(٣) ومن الثاني قولك : « ملك الأمير البلاد من طهران إلى بغداد » وقوله تعالى : ( أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ )(٤) ولو قيل : « قرأت القرآن إلى آية كذا أو إلى سورة كذا » كان محتملا فلا بدّ في التعيين من إعمال القرينة.
__________________
(١) مصباح المتهجّد : ٦٦٠.
(٢) مجمع البحرين مادّة « غيا ».
(٣) المائدة : ٦.
(٤) البقرة : ١٨٧.