الفرض بما لو كانت الأوامر مختلفة في الإيجاب والاستحباب لتحقّقه في الأوامر الايجابيّة أيضا إذا كان المطلوب بها شيئا واحدا ، كالأمر بالوضوء للبول وللنوم ونحوه حيث نعلم بأنّ الغرض الأصلي من تلك الأوامر الناشئة عن الأسباب المختلفة إنّما هو تحصيل الطهارة ليتوصّل بها إلى مشروط بها ، فحينئذ لو حصل وضوء واحد أثّر في حصول الغرض الأصلي ومعه لا يبقى للوضوءات الاخر محلّ فتسقط الأوامر المتعلّقة بها لئلاّ يلزم طلب الحاصل كما نبّهنا عليه في أوائل المسألة ، غير أنّه ليس تفصيلا في المسألة لأنّ ما اخترناه فيها إنّما هو من باب الأصل المستند إلى ظواهر الأدلّة والقواعد اللفظيّة ولا ريب أنّه قابل للتخصيص حيثما قام الدليل بخلافه. وما ذكرناه من أفراده.
وإنّما قلنا بأنّ ذلك تداخل في المسبّبات دون الأسباب لأنّ الأسباب بحسب ظاهر السببيّة أثّرت وأوجبت تعدّد الأوامر إيجابيّة وندبيّة أو ايجابيّة فقط ، فلا يعقل بالنسبة إليها تداخل بعد إحراز السببيّة التامّة لكلّ منها لمنافاته مقتضى السببيّة ، وما عدا السببيّة التامّة ينافيه ظاهر الأمر وإطلاق اللفظ القاضي بالسببيّة.
ولا يذهب عليك أنّ هذا كلّه مبنىّ على أحد التقديرين من جواز اجتماع الوجوب والاستحباب في ماهيّة واحدة ، أو أنّ قصد الاستحباب يكفي فيه وجود الجهة المقتضية للاستحباب ، وإن لم يوجد هنا استحباب ، فعلى المانع على تقدير عدم اتّصاف الشيء بالاستحباب بعد ما اتّصف بالوجوب ، وهذا هو ما تقدم نقله عن الجمّ الغفير من أنّ الوضوء بعد دخول وقت الفريضة يصير واجبا فقط ويخرج عن الاستحباب.
فحينئذ لو توضّأ بعد دخول الوقت للنافلة أو قراءة القرآن له أن يدخل به في الفريضة سواء ترتّب عليه ما قصده من الغاية أو لا.
وعلى الثاني : كان الأصل عدم التداخل في كلّ من الأسباب والمسبّبات بعين ما تقدّم.
ثمّ إنّ بعض الأعاظم بعد ما بنى في المسألة على عدم الإجزاء فيما بين الواجب والمندوب قال : « هل يمكن وقوع الإجزاء؟ الأظهر نعم ، فإنّ مصلحة الواجب والندب لا يمتنع تساويهما ، لإمكان إناطة عدم الحتميّة بالعسر والحرج ونحوهما بأن اختلفا بذلك فمقتضاهما متحد واختلافهما بالخارج.
وملخّص الكلام : أنّ مقتضى القواعد العدليّة وإن كان إناطة الحكم بالمصالح ولكن لا يلزم منه كونها ذاتيّة ، فيمكن أن لا يكون اختلاف مصالح الوجوب والندب والكراهة