وجوده بوجود الشرط ، ورفع ذلك الحكم المنوط بوجود الشرط عند انتفاء الشرط لا ينافي ثبوت الحكم المنوط بوجود شرط آخر عند وجود ذلك الشرط ، فقوله : « إن جاءك زيد فأكرمه » يدلّ بالمطابقة على إناطة وجود وجوب إكرام زيد بوجود مجيئه وبالالتزام على نفي ذلك الحكم المنوط وجوده بوجود المجيء على تقدير انتفاء المجيء ، وهذا لا ينافي إثبات وجوبه منوطا بوجود الإعطاء أو الإلباس.
لا يقال : هذا لا يلائم ما تقدّم عند الكلام في ثمرة النزاع في المسألة ، من أنّه على القول بالمفهوم لو وجد في خطاب آخر ما يدلّ على ثبوت الحكم للمسكوت عنه حصل التعارض بينه وبين المفهوم فلا بدّ من الترجيح.
وقضيّة ذلك وقوع التعارض بين مفهوم كلّ شرطيّة ومنطوق الآخر.
لأنّا نقول : أنّ ما تقدّم ثمّة لا ينافي ما ذكرناه هنا ، فإنّ إثبات الحكم للمسكوت عنه غير إثباته لمقارنه من الشرط الموجود المقارن لعدم الشرط المعدوم وهو المسكوت عنه الّذي يعبّر عنه بغير المذكور ، فمفهوم قولنا : « إن جاءك زيد فأكرمه » نفي وجوب إكرامه على تقدير عدم مجيئه ، وهذا المعنى ثابت بطريق القضيّة المعقولة ، ولو اوّلت هذه القضيّة بالقضيّة الملفوظة كانت عبارة عن قوله : « إن لم يجئك زيد فلا يجب إكرامه » وحينئذ لو ورد في خطاب آخر قوله : « إن لم يجئك زيد وجب إكرامه » كان معارضا له ، بخلاف ما لو ورد قوله : « إن أعطاك زيد وجب إكرامه » فإنّه لا يعارض قوله : « إن لم يجئك زيد لا يجب إكرامه ».
والسرّ في الفرق : أنّ وحدة الشرط الّتي هي من الوحدات الثمانية المعتبرة في التناقض متحقّقه فيه مع قوله : « إن لم يجئك وجب إكرامه » لا فيه مع قوله : « إن أعطاك وجب إكرامه ».
لا يقال : قد تقدّم سابقا الإشارة إلى أنّ المفهوم عبارة عن نفي سنخ الحكم على تقدير انتفاء الشرط لا خصوص شخصه الّذي هو الحكم المنطوقي ، وقضيّة نفيه انتفاء جميع أفراده ، وهذا ينافي ثبوت ما أثبته الشرط الآخر على تقدير وجوده لأنّه من جملة أفراده.
لأنّ المراد من سنخ الحكم ما يلاحظ سنخيّته بالقياس إلى حالات انتفاء الشرط المشخّصة له ولو باعتبار الزمان والمكان ، فإنّ « عدم مجيء زيد » في أيّ زمان تحقّق وفي كلّ مكان فرض سبب لانتفاء وجوب إكرامه المنوط بمجيئه وهكذا بالقياس إلى سائر أحواله المشخّصة له ، وهذا هو المراد من سنخ الحكم المنتفي عن المسكوت عنه ، لا بالقياس إلى مقارناته الغير المشخّصة له ، والشرط الآخر الموجود حين انتفاء الشرط المعدوم مقارن له