القيد ، وهذا يساعد على القول بعدم الحجّيّة ولا خفاء في وهن الجميع.
أمّا الأوّل : فلأنّ أصل البراءة أصل قرّره الشارع للجاهل المتحيّر فلا نظر فيه إلى الواقع ، بل هو متكفّل لبيان كيفيّة عمل المكلّف الجاهل بالحكم الواقعي من حيث هو جاهل ، من غير تعرّض فيه للخطاب الوارد في المقام من حيث إنّه يدلّ أو لا يدلّ ، فلا يمكن به إثبات الدلالة ولا نفيها.
وأمّا الثاني : فلأنّه إن اريد بأصالة عدم تعدّد الأسباب ـ أي عدم جعل سبب آخر للجزاء ـ ما يكون من الاستصحاب المستفاد من عمومات الأخبار الواردة فيه كقولهم عليهمالسلام : « لا ينقض اليقين بالشكّ » (١).
ففيه : أنّه حينئذ يكون حكما ظاهريّا فيرد عليه ما ورد على أصل البراءة.
وإن اريد به ما يكون من الاصول العدميّة المعمولة في باب الألفاظ الّتي مدركها بناء العرف وطريقة أهل اللسان ، كأصالة عدم النقل ، وأصالة عدم القرينة ، وما أشبه ذلك.
ففيه : أنّه لم يتحقّق من أهل العرف أنّ طريقتهم فيما شكّ في تعدّد أسبابه بعد ثبوت سببيّة شيء له بالجملة الشرطيّة هو البناء على العدم ، فلم يثبت كون أصالة عدم جعل سبب آخر من الاصول المعمولة لدى أهل العرف.
وأمّا الثالث : فلما أورد عليه من أنّ الدليل على اعتبار الاصول في الألفاظ إنّما هو بناء العرف وطريقة أهل اللسان ، ولم يتحقّق لنا من حالهم إجراء الأصل في أمثال المقام ـ ممّا يشكّ في وضع لفظ لمعنى في جزئيّة شيء أو قيديّته له ، ليدلّ عليه بالتضمّن أو الالتزام ، وعدم إجرائه ، بل الظاهر كون بنائهم في نفي التفات الواضع وأخذه واعتباره الشيء الفلاني مع الموضوع له على وجه الجزئيّة أو القيديّة وإثباته على الوقف ، كما يرشد إليه كون الوضع وكلّما يرجع إليه من الامور التوقيفيّة التوظيفيّة عندهم بلا خلاف فيه.
نعم يعاملون في بعض الأحيان مع ما شكّ في جزئيّته أو لزومه للموضوع له معاملة الأصل المذكور ، بحيث يدخل في الوهم كون تعويلهم على هذا الأصل مع عدم كونه كذلك في نفس الأمر ، مثل أنّهم لا يخصّصون العمومات ولا يقيّدون المطلقات فيما لو قال : « أكرم العلماء أو أكرم العالم » ثمّ قال : « إن جاءك زيد فأكرم » مثلا ـ مع فرض الشكّ في المفهوم باعتبار الشكّ في كون الانتفاء عند الانتفاء ممّا أخذه الواضع واعتبره مع الوجود عند
__________________
(١) الوسائل ١ : ١ ، الباب ١ من أبواب نواقض الوضوء ، ح ١ ـ ٦ ـ ٧.