مضت تسع سنين حتى أظهر الله الروم على الفرس ، ففرح المسلمون ، وحزن المشركون.
وهنا يكمن سر الاعجاز حيث أخبر القرآن الكريم بشكل قاطع جازم عن استئناف الحرب بين الروم وفارس ، وحدد وقتها في بضع سنين ، وانها تنتهي بانتصار الروم على فارس ، فكان كما قال. وهذا الغيب المحجوب لا يعلمه إلا الله وحده.
(لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) قبل النصر وبعده ، واليه وحده ترجع الأمور (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللهِ). يفرح المسلمون يوم تظهر الروم على فارس (يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ). إذا تقاتل اثنان ينتصر من يملك أسباب النصر على الذي لا يملكها محقا كان أو مبطلا ، وأسند سبحانه النصر اليه لأن جميع الأسباب الكونية تنتهي اليه تعالى بالنظر إلى انه خالق الكون وما فيه (وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) ينتقم من الظالم ، ويرحم المظلوم.
(وَعْدَ اللهِ لا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) بعد أن أخبر سبحانه عن الغيب المحجوب ، وهو انتصار الروم على فارس أكد بأن ذلك واقع لا محالة ، ولكن من لا يؤمن بالله كيف يؤمن بوعده؟ وهذا التأكيد القاطع أصدق شاهد على ان القرآن وحي من الذي يتساوى لديه عالم الغيب والشهادة ، ولو حصل الخلف بالوعد لاتخذ منه أعداء الرسول الأعظم (ص) ذريعة للطعن بصدقه ورسالته (يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ). الدنيا وأحوالها من عالم الشهادة ، والآخرة وأهوالها من عالم الغيب ، وبداهة ان عالم الشهادة يدرك بالحواس ، أما عالم الغيب فلا يدرك إلا بطريق الوحي ، وهم لا يؤمنون به ، فمن أين يأتيهم العلم بالآخرة؟
(أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ما خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَكافِرُونَ (٨)