أمّا إحراق فجاءة .. فقد اضطربت الكلمات
في توجيهه فمنهم من أجاب كما في الكتاب ، وتبعه صاحب ( الصواعق ) بقوله : « وإذا
ثبت أنّه مجتهد فلا عتب عليه في التحريق ، لأن ذلك الرجل كان زنديقاً ، وفي قبول
توبته خلاف ، وأما النهي عن التحريق فيحتمل أنه لم يبلغه وتأوّله على غير نحو
الزنديق » .
لكنْ لا تعرض في الكتاب لنهي النبي صلىاللهعليهوآله عن الإحراق ، كما في صحيح البخاري أما في ( الصواعق ) فقد نبّه على أن
اجتهاد أبي بكر مخالف للنص فأجاب باحتمال أنه « له يبلغه » لكن هذا قدح في أبي بكر
فاستدركه بأنّه يحتمل أنه بلغه لكن « تأوّله ».
ثم إنّ هذا كلّه مبني على أن يكون الرجل
زنديقاً ، لكنه لم يكن زنديقاً ، وكان يقول : « أنا مسلم » كما ذكر في الكتاب ، بل
قيل إنه كان يلهج بالشهادتين حتى احترق وصار فحمةً ، وغاية ما هناك أنّه قطع الطرق
ونهب أموال المسلمين كما ذكر المؤرخون كالطبري ، ومثله لا يكون زنديقاً ...
ولذا عدل بعض المعتزلة المدافعين عن أبي
بكر كابن أبي الحديد إلى التوجيه بأسلوب آخر فقال : « والجواب : إن الفجاءة جاء
إلى أبي بكر ـ كما ذكر أصحاب التواريخ ـ فطلب منه سلاحاً يتقوى به على الجهاد في
أهل الردة ، فأعطاه ، فلما خرج قطع الطرق ونهب أموال المسلمين وأهل الردة جميعاً
وقتل كل من وجد ـ كما فعلت الخوارج حيث خرجت ـ فلمّا ظفر به أبوبكر حرٌقه بالنار
إرهاباً لأمثاله من أهل الفساد ونحوه ، وللإمام أن يخص النصّ العام بالقياس الجلي
عندنا ».
فتراه لم يدع زندقة الرجل ، بل ذكر له
توجيهاً ثبت في محلّة بطلانه جداً ...
وحيث رأى بعض المتكلّمين الأشاعرة سقوط
هذا التوجيه كغيره اضطر إلى أن يقول :
__________________