السابقة ، فصبروا صبر الأحرار ، وازدادوا تمسكا بدينهم وإخلاصا لربهم وأنبيائهم ، وأوضح تفسير لهذه الآية قوله تعالى : (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) ـ ١٤٦ آل عمران ج ٢ ص ١٧٤. (فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ). يمتحن سبحانه عبده بإقبال الدنيا عليه وادبارها عنه لتظهر أفعاله التي يستحق عليها الثواب والعقاب ، لأنه ، جلت حكمته ، لا يحاسب الإنسان على ما فيه من قابلية واستعداد للخير والشر ، وانما يحاسبه على أعماله التي تظهر للعيان.
(أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا). أيحسب المسيئون ان الله عاجز عن طلبهم؟ كيف وهو على كل شيء قدير؟ وبمن يمتنعون عنه ولا ضد يعانده ولا شريك يساويه؟ (ساءَ ما يَحْكُمُونَ) بأنهم يفلتون من سلطان الله وحكمه.
(مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لَآتٍ) بعد أن ذكر سبحانه من كفر باليوم الآخر ذكر من آمن به وقال لهذا المؤمن : اثبت على إيمانك ، فان الساعة آتية لا ريب فيها ، فاعمل لها (وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ). يسمع ما تقول ، ويعلم ما تضمر وتفعل ، ويجزيك بما أسلفت (وَمَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ) وتفسيره : (فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها) ـ ١٠٤ الأنعام ج ٣ ص ٢٣٨. (إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) لا تنفعه طاعة من أطاع ، ولا تضره معصية من عصى.
(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ). من آمن بعد ما كفر ، وأصلح بعد ما أفسد فإن الله يغفر له ويعفو عما مضى ، وفوق ذلك يثيبه تفضلا منه على إيمانه وإصلاحه تماما كمن لا ذنب له .. وفي هذا المبدأ الخير كل الخير للانسانية لأنه يفتح باب الأمل للمذنبين والمجرمين ، ويدفع بهم إلى التوبة والاقلاع ، ولا سبيل أجدى من هذا السبيل لتطهير المجتمع من المظالم والمفاسد.