ثم انتهى إلى الأخذ بمذهب الآباء والأجداد ، واعتمد أدلة الأقدمين دون محاكمة وتمحيص ، مع انها تناقض الفطرة تناقضا بينا ، وقد كرر صاحب الظلال مرات ومرات ان القرآن يخاطب الفطرة في أعماقها ، ونحن نحاكم أقواله محاكمة فطرية وموضوعية ، لا مذهبية تعصبية ، ونرجو القارئ أن ينظر إلى أقوالنا نظرة العالم المنصف.
قال صاحب الظلال ما نصه بالحرف : «هذا عم رسول الله (ص) وكافله وحاميه والذائد عنه لا يكتب الله له الأيمان على شدة حبه لرسول الله وشدة حب رسول الله له ، لا يكتب الله له أن يؤمن». ومعنى هذا ان الله كره أن يقول أبو طالب : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، ولكن رسول الله أحب هذا القول من عمه ، وأصر عليه.
ونسأل : هل يصح في حكم العقل والفطرة أن يحب رسول الله شيئا يكرهه الله ويمقته؟ اذن ، كيف قرن الله طاعة رسوله بطاعته في العديد من الآيات؟ وإذا كره الله الإسلام من أبي طالب ولم يكتبه له على حد تعبير صاحب الظلال فعلى أي شيء يعاقبه ويضعه في «ضحضاح» من نار كما روى المفترون؟ وهل يجوز للقوي أن يأخذ الضعيف بما لم يفعل؟ كيف وهو القائل : (وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ)؟ ولما ذا أحب الله الإسلام من أبي سفيان وكرهه من أبي طالب؟ ألأن أبا سفيان كان أشد الناس بغضا لرسول الله ، ولذا حشد له الجيوش ، وشن عليه الحروب ، ولأن أبا طالب أحب رسول الله حبا شديدا وحضنه وحماه وذاد عنه على حد تعبير صاحب الظلال ، أو لأن أبا سفيان هو والد معاوية ، وأبا طالب والد علي؟
وتجدر الاشارة إلى ان كل ما جاء في هذه التساؤلات فهو جائز على الله عند القائلين بكفر أبي طالب لأنهم يؤمنون بأن الله لا يجب عليه شيء ، ولا يقبح منه شيء ، وان له ان يعاقب الأبرياء ، ويحسن إلى سفاكي الدماء .. ولا أدري : هل أراد صاحب الظلال هذا المعنى من الفطرة التي يخاطبها القرآن في أعماقها؟. وبعد ، فان كتابة التفسير وغير التفسير تتأثر بعقيدة الكاتب وميوله ، وثقافته وبيئته ، وظروفه ووراثته ، وهذا ناموس طبيعي لا يشذ عنه كبير ولا صغير ..