يأتيهم بمثل ما جاء به موسى من المعجزات ، فأجابهم سبحانه بأن من طلب الحق لوجه الحق يستجيب له ، ويؤمن به متى استبانت حجته وظهرت دلائله أيا كان نوعها وشكلها ، أما الذين لا يؤمنون إلا بأهوائهم ، ويتخذونها قائدا ودليلا في جميع تصرفاتهم ـ أما هؤلاء فلا تغني معهم الدلائل والمعجزات ، سواء أتى بها موسى ، أم أتى بها محمد ، أم الأنبياء مجتمعين .. ودليل هذه الحقيقة ان الطغاة كفروا بما جاء به موسى تماما كفر الطغاة من قريش بما جاء به محمد ، ولو كان محمد بمعجزاته مكان موسى ، وكان موسى بمعجزاته مكان محمد لقالت قريش : لولا أوتي موسى مثل ما أوتي محمد .. وهذا هو شأن المبطلين في كل زمان ومكان.
(قالُوا سِحْرانِ تَظاهَرا وَقالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كافِرُونَ). المراد بالسحرين هنا التوراة والقرآن ، وتظاهرا أي ان كلا منهما يصدق الآخر ، والمعنى الجملي ان قريشا قالت : التوراة سحر ، وموسى الذي جاء بها ساحر ، وأيضا القرآن سحر ، ومحمد الذي جاء به ساحر ، ونحن نكفر بهما وبسحرهما.
(قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ). قالوا : التوراة سحر ، ومثلها القرآن .. فقال سبحانه لنبيه الكريم : قل لهم : ان كان لديكم كتاب هو خير للانسانية من التوراة والقرآن فأتوا به ، وأنا على أتم الاستعداد لاتباعه والعمل به ، وهذا مثل قوله تعالى : (قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) ـ ٨١ الزخرف.
(فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ). لقد تحدى القرآن أهل الفصاحة والبلاغة بفصاحته وبلاغته ، وتحدى البشرية كلها بمبادئه وتعاليمه ، وقال : انها تهدي الإنسان للتي هي أقوم في عقيدته وشريعته ، وهذا هو بين أيدي الناقدين والدارسين فليأتوا بما هو أهدى منه للناس ، أو بمثله ويدعوا من شاءوا وما شاءوا ، فإن عجزوا ولم يؤمنوا فلا دليل لهم الا العمى والضلال يقودهم الى كل سوء ، وهذا هو المعنى المراد بقوله تعالى : (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) بعد أن جنوا على أنفسهم ، وسلكوا بها سبيل الهلاك والضلال.