عبد من عباد الله أنعم الله عليه بالنبوة ، وخلقه كآدم من غير أب ليكون آية تدل بني إسرائيل على قدرة الله وعظمته لعلهم يهتدون ويتقون .. ولكنهم ازدادوا عتوا وطغيانا ، وقالوا عن السيد المسيح وأمه ما يهتز له العرش.
(ولو نشاء لجعلنا منكم ـ أي بدلا منكم ـ ملائكة في الأرض يخلفون) أي يخلفونكم. هذا تهديد ووعيد للمشركين ، ومعناه ان الله غني عنكم وعن عبادتكم أيها المشركون ، ولو شاء أهلككم وجعل مكانكم ملائكة يخلفونكم في الأرض يقدسونه ويسبّحون بحمده ولا يعصون له أمرا. ومثله : (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ) ـ ٣٨ محمد.
(وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِها وَاتَّبِعُونِ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ). ضمير انه يعود الى القرآن ، والمعنى ان القرآن يعلم الناس بيوم القيامة ويخبرهم عن حقيقته ، ويحذرهم من أهواله ، ولا يجوز الشك فيه .. و «هذا» اشارة الى القرآن أيضا وانه صراط الله المستقيم ، قال تعالى : (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) ـ ٩ الإسراء. والأقوم هو الصراط المستقيم.
وتسأل : كيف يعود الضمير الى القرآن مع العلم بأنه لم يرد له في الآيات ذكر ، والذي ذكر فيها هو عيسى (ع) فينبغي أن يعود الضمير اليه ، لا إلى القرآن؟
الجواب : ان موضوع الآيات هو الجدل في عيسى ، والحديث عنه كما وصفه القرآن ، لا كما هو في ذاته بصرف النظر عما جاء في كتاب الله ، وعليه يكون ذكر السيد المسيح ذكرا للقرآن ، ويؤيده قوله تعالى في نفس الآية : هذا صراط مستقيم ، فإن المراد به القرآن كما أسلفنا. والغريب ان بعض المفسرين أعادوا الضمير إلى عيسى ، ومع هذا فسّروا الصراط المستقيم في الآية بدعوة محمد (ص) والقرآن.
(وَلا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطانُ) عن الحق والعمل بالقرآن (إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) ، ظاهر العداوة والبغضاء يغريكم بالمنكر والفحشاء ، ومثله : (لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ) ـ ٢٧ الأعراف. (وَلَمَّا جاءَ عِيسى بِالْبَيِّناتِ قالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ).