بنصه الحرفي في الآية ٢٢ من سورة يوسف. وجاء هناك وصفا ليوسف ، وهنا وصفا لموسى.
(وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ). المراد بالمدينة هنا مصر .. وفي ذات يوم دخل موسى بعض شوارعها دون أن يشعر أحد به ، فرأى رجلين يتشاجران ويقتتلان : أحدهما قبطي من أتباع فرعون ، والآخر اسرائيلي من جماعة موسى ، وكان الأقباط بوجه العموم يضطهدون الاسرائيليين ، ويحسبونهم خدما لهم وعبيدا ، فاستنجد الاسرائيلي بموسى ، فوكز موسى القبطي بيده أو بعصاه بقصد التأديب والردع عن البغي ، لا بقصد القتل ، فوقع جثة هامدة ، ويسمى هذا بقتل الخطأ (قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ). هذا اشارة إلى الشجار والقتال الذي وقع بين القبطي والاسرائيلي ، لا إلى الوكز أو القتل غير المقصود ، والمعنى ان القتال بين الاثنين مصدره وسوسة الشيطان واغراؤه بالمعاصي والذنوب.
(قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ). كل تقصير في حق الله تعالى ينسبه الأنبياء والأولياء إلى أنفسهم فهو دعاء وخشوع لله سبحانه ، ولا دلالة فيه على الذنب والتقصير ، لأن العارف بالله حقا يتهم نفسه بالتقصير في طاعة الله وعبادته ، ومن أجل هذا يسأله العفو والصفح عن الذنب ، وقديما قيل : سيئات الأبرار حسنات الأشرار. انظر ما قلناه بعنوان التوبة والفطرة ج ٢ ص ٢٧٥ (قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ). سأل موسى ربه العفو ، وأعطاه عهدا على نفسه أن يكون حربا على الطغاة المجرمين كفرعون وجنوده ، وعونا لكل مؤمن صالح.
(فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً يَتَرَقَّبُ). خاف موسى ان يطالب بدم القبطي ، وتوقع الشر من فرعون وقومه .. وبينما هو كذلك (فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ) يطلب النصر من موسى بصياح وصراخ (قالَ لَهُ مُوسى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ). ما شأنك تشتبك كل يوم مع قبطي؟ وتسبب لنا المتاعب والمشاكل؟ ألا ترعوي عن غيك وضلالك؟.