المعنى :
(فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ). ذلك إشارة إلى دين الله وإقامته ، والمعنى ادع يا محمد الى الدين الحنيف الذي وصى به سبحانه جميع الأنبياء ، واثبت عليه وعلى الدعوة اليه ، وقال تعالى في الآية ١١٣ من سورة هود : (فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ) ج ٤ ص ٢٧٢ تماما كما في الآية التي نحن بصددها ، وتكلمنا هناك عن الاستقامة وأقسامها.
(وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ). النبي معصوم يتبع ما يوحى اليه ، ولا يتبع هواه ولا هوى غيره .. وقلنا أكثر من مرة : ان النهي عن الشيء لا يدل على جواز وقوعه من المخاطب ، وان للأعلى أن ينهى غيره بما شاء. وتقدمت هذه الجملة بالحرف في الآية ٤٨ من سورة المائدة ج ٣ ص ٦٧ (وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللهُ مِنْ كِتابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ اللهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ). أعلن يا محمد على الملأ إيمانك بكل كتاب أنزله الله كائنا ما كان ، وان الله هو رب الجميع ، وانك تحكم بين الناس بالعدل ، فتنتصف للمظلوم من الظالم ، وتقتص للضعيف من القوي ، وان كان ذا قربى ، وأعلن أيضا ان كل امرئ هو وحده المسئول عن عمله أمام الله ، وانه لا خصومة بينك وبين أي انسان ، وان اليه تعالى مصير العباد ، فيجازي كل نفس بما كسبت ، وبهذا النهج القويم والمنطق السليم تقيم الحجة على أعدائك ، ولا تبقي علة لمتعلل.
(وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ). كان أهل الكتاب يجادلون المسلمين ويحاولون أن يردوهم عن دينهم بعد أن هداهم الله الى الإسلام. وروى الطبري في تفسيره ان اليهود والنصارى قالوا للمسلمين : «كتابنا قبل كتابكم ، ونبيّنا قبل نبيكم ، فنحن خير منكم» .. وليس هذا ببعيد عن جدال أعداء الحق والدين ، بل هو أقل ما ينتظر منهم .. ولكن حجتهم باطلة لأن الفضل يكون بالعمل لا بالوقت وتقدمه ، وإلا كان إبليس أفضل من آدم ، لأنه أقدم منه. وعلى أية حال فإن عاقبة من جادل بالباطل الى الوبال والخسران دنيا وآخرة.