والايمان ففي يوم القيامة ، وليس في هذه الحياة ، فمن ركع للظالم خذله الله ، وأوكله الى من ظلمه حتى ولو صلى وصام وحج الى بيت الله الحرام ، لأنه خذل الحق ، ونصر الباطل ، وما له في الآخرة من خلاق.
ومن ثار على الظلم وأهله ، واستمات من أجل كرامته نصره الله سبحانه على الظالمين الطغاة ، وان كان كافرا ، لأنه التقى مع ارادة الله وأمره بهذا الجهاد والنضال .. ولا نرجع إلى التاريخ القديم لنستمد منه الشواهد على هذه الحقيقة ، فإن صمود الشعب الفيتنامي الأعزل أمام أعتى قوى الشر والفساد لدليل قاطع على ان الله مع المظلوم المجاهد الصابر كائنا من كان.
والخلاصة ان الله لا يقاتل من أجل المستضعفين ، ولكنه يقف معهم ويمدهم بعونه إذا قاتلوا وناضلوا مستهدفين الحق والعدل ، والتحرر من البغي والاستغلال ، ان الله مع هؤلاء لأنه مع كل مجاهد وعامل من أجل الحياة. وتكلمنا عن ذلك مفصلا عند تفسير قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) ـ ١١ الرعد ج ٤ ص ٣٨٦.
وتسأل : ان الله سبحانه أغرق فرعون وقومه ، ونجّى بني إسرائيل من عذابهم واضطهادهم ، ومعنى هذا ان الله يقاتل عن المستضعفين ، بل جاء في الآية ٣٨ من سورة الحج : (إِنَّ اللهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا)؟
الجواب : انه تعالى أغرق فرعون وقومه لشركهم وتكذيبهم الرسول ، وليس انتصارا لبني إسرائيل تماما كما أهلك قوم نوح وغيرهم من المشركين ، فترتب على ذلك خلاص المظلومين والمضطهدين من بني إسرائيل وغير بني إسرائيل ، أما آية سورة الحج فالمراد بالذين آمنوا المجاهدون ، أما الكسالى فهم على دين من قال لموسى : (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ).
(وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً) أي نجعل منهم أنبياء (وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ) يجعلهم الله أحرارا بعد أن استعبدهم فرعون أمدا طويلا (وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ) ضمير منهم يعود على بني إسرائيل ، والمعنى ان فرعون وملأه خافوا أن يذهب سلطانهم على يد رجل من بني إسرائيل ، فاحتاطوا لذلك ولكن الله سبحانه أوقعهم فيما كانوا يحذرون.