الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ). دهش الطغاة حين رأوا أثر القرآن وسلطانه على النفوس ، وماجوا في حيرة : ما ذا يصنعون بعد أن عجزوا عن مقارعته بالبرهان ، ومقابلة الحجة بالحجة .. ثم اتفقوا أن يحاربوه بالباطل ، ويصفوه بالسحر والأساطير ، ويقابلوا تلاوته بالتشويش والهذيان .. بهذا السخف والجهل ينتصرون لباطلهم ، ويريدون أن يطفئوا نور القرآن .. وإذا دل قولهم : («وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) إذا دل على شيء فإنما يدل على اعترافهم بالعجز الا عن اللغو والهذيان ، وان القرآن هو حصن الله الحصين الذي أعجز ويعجز الفكر الانساني على مدى العصور والأزمان.
(فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذاباً شَدِيداً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ) ينقسم عمل المجرمين الى قسمين : سيئ وأسوأ ، وكذلك الجزاء ، لأن (مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها) ـ ٤٠ غافر وانما ذكر سبحانه أسوأ أعمالهم ليبين ان جزاءهم غدا أسوأ الجزاء تماما كأعمالهم (ذلِكَ جَزاءُ أَعْداءِ اللهِ النَّارُ لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ جَزاءً بِما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ). ذلك اشارة إلى الجزاء على أسوأ الأعمال ، وهو الخلود في نار جهنم ، وهذا الخلود قد جعله الله جزاء كل جاحد ومعاند لما أقامه الله من الدلائل الواضحة على وحدانيته وعظمته .. وفي الآية إيماء الى ان الجاحد والمشرك لا عذر لهما على الإطلاق ، وان الجهل إنما يكون عذرا في غير الجحود والشرك لأن دلائل الوحدانية لا غموض فيها ولا خفاء ، ولا تحتاج معرفتها والايمان بها إلا الى النظر المجرد عن الهوى والتقليد.
(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) من الضعفاء التابعين : (رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) المتبوعين (نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ). سألوا الله سبحانه أن يسلطهم على من أضلهم من شياطين الإنس والجن ليدوسوهم بالأقدام ويكونوا في مكان أعمق من مكانهم في الجحيم .. ولكن الله سبحانه قد كفاهم ذلك حيث أخذ كلا بذنبه السيء والأسوأ.