٤ ـ (بَشِيراً وَنَذِيراً). بشر القرآن من أطاع برحمة الله وجنته ، وأنذر من عصى بعذابه ونقمته.
(فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ). أعرضوا عن الحق جهلا وتعصبا لتقاليد الآباء أو إيثارا وطمعا بنفع عاجل ، ولو كان وهما وخيالا (وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ). دعا الرسول الأعظم (ص) مترفي المشركين الى الايمان بالله وحده ، والعمل بكتابه ، فما كان جوابهم إلا أن قالوا : أفئدتنا موصدة دون دعوتك ، وآذاننا غير سميعة لأقوالك ، وبيننا وبينك ما يحجبنا عنك ، ويبعدك عنا ، فاجتهد ما استطعت ، وهدّد بما شئت ، فنحن في موقفنا لا نحيد عنه مهما كانت العواقب .. وهكذا تفعل الأهواء .. تميت القلوب وتعمي العيون ، وتطلق العنان للجهل والضلال.
(قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ). قال الطغاة للرسول (ص) : بيننا وبينك حجاب .. فأمر الله نبيه الكريم أن يقول لهم : من أين جاء هذا الحجاب؟ ألست بشرا مثلكم روحا وجسدا ، أفعل ما تفعلون؟ وهل الوحي إليّ من السماء بأن نؤمن جميعا أنا وأنتم بإله واحد لا نشرك به شيئا ، ونتوب اليه من الذنوب والموبقات ، ونستقيم على سبيل الحق والعدل ـ هل الوحي إليّ بهذا يبعدني عنكم ، أو هو أجدى وسيلة تجمعنا على الخير والتقوى؟ ولكن أبيتم الا العمى والضلال.
(وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ). جاء في تفسير البحر المحيط ان هذه السورة مكية ، وزكاة المال نزلت بالمدينة ، وعليه فلا بد من تفسير الزكاة هنا بمطلق البذل في سبيل الخير ، أو تفسيرها بتطهير النفس من الشرك .. ونرجح نحن التفسير الأول لأن الكلام عن المشركين الذين لم تطهر نفوسهم من الشرك ، فإن فسرنا الزكاة بذلك يكون تفسيرنا أشبه بمن فسر الماء بالماء. وعلى ارادة البذل من الزكاة يكون معنى الآية ان المشركين جمعوا بين ثلاث رذائل : رذيلة الشرك ، ورذيلة الجحود باليوم الآخر ، ورذيلة البخل (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ). أي ان الله سبحانه يؤجرهم ويثيبهم ، ولا يمنّ عليهم بالأجر والثواب لأنهم أهل لكل كرامة ..