المعنى :
(اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً وَالسَّماءَ بِناءً). وصف سبحانه الأرض في هذه الآية بكلمة قرار ، وفي غيرها بكلمة مستقر وفراش ومهد ومهاد ، والمعنى واحد. ووصف السماء في هذه الآية بالبناء ، وفي غيرها بالسقف وذات البروج وذات الحبك ، والمراد بالسقف التشبيه به لأنها تظهر للعيان مثله ، وقال جماعة من المفسرين : ان المراد بالبروج النجوم ، والحبك الطرق. أما البناء فالمراد به انه تعالى احكم خلقها وزينها بزينة الكواكب ، كما في الآية ٦ من سورة الصافات.
(وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَتَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ). خلق الله الإنسان في أحسن خلقة وأحكمها وأدقها شكلا وقواما وأعضاء ، بالاضافة الى البيان والإدراك وغيره من الغرائز .. ولعل أروع ما في خلق الإنسان هذا التلاؤم العجيب بينه وبين الكون أرضا وسماء بحيث جاء تصميمه على نحو يستطيع أن يستغل ويكيف ما في الكون من طاقات وخيرات حسب مصالحه وحاجاته .. ولو لم يكن من دليل على وجود الله وعظمته إلا هذا الكائن العجيب ـ الإنسان ـ لكفى. وبهذا نجد تفسير قوله تعالى : (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) ٢١ الذاريات. وتكلمنا عن ذلك مفصلا عند تفسير الآية ٧٠ من سورة الإسراء ج ٥ ص ٦٦ فقرة بما ذا كرّم الله بني آدم؟
(هُوَ الْحَيُّ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ). هو الحي لأنه وهب الحياة ، وهو الواحد الأحد لأنه إله ، والألوهية في واقعها تستدعي التفرد والوحدانية ، ومعنى الإخلاص لله في الدين ان تؤمن به وحده ، وتتجه إليه دون سواه في جميع أقوالك وأفعالك. وتقدم مثله في الآية ٢٩ من سورة الأعراف والآية ١٤ من السورة التي نحن بصددها. وقوله تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) بعد قوله : وصوركم .. ورزقكم يشير الى أن على الإنسان أن يحمد الله ويشكره على نعمة الخلق والرزق.
(قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَمَّا جاءَنِي الْبَيِّناتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ). هذا هو الأسلوب الحكيم في الجدال والنقاش.