فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً). طلب فرعون من وزيره هامان أن يبني له برجا عاليا يصعد به إلى السماء ليبحث فيها عن الله ، ويتأكد من قول موسى .. طلب هذا ، وهو على يقين انه أعجز وأحقر ، ولكنه أيضا على يقين ان في مملكته قاصري العقل والوعي يصدقونه فيما يقول ، ولذا موّه ودلّس ، وليس قوله هذا بأعظم من قوله : أنا ربكم الأعلى .. وما كان ليجرأ على مثله لولا أن يجد من يقول له : أجل ، إنك أنت العلي الكبير! .. ونحن الآن في القرن العشرين وعصر الفضاء والقمر ، ومع هذا وجد الدالاي لاما من يقول له : أنت إله .. ووجد آغا خان من يقول له : أنت نصف إله ، «وفي كل قطر كعبة وإمام».
(وَكَذلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ). أمران يزينان للإنسان سوء أعماله : اتباع الهوى ، والإصرار على الجهل ، وقد زيّن الهوى لفرعون أن يدّعي الربوبية فادّعاها ، وزيّن الجهل طاعة فرعون فأطاعوه (وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبابٍ) أي في خسران .. وكل من حاول أو يحاول أن يخدع الناس ويمكر بهم ويكيد لهم فهو خاسر وان كان له ملك فرعون ومال قارون.
(وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ). حذر المؤمن الناصح قومه أولا وثانيا ، وهذه هي المرة الثالثة ، وفيها يرغب إلى قومه أن يقبلوا منه النصيحة لأنه يريد لهم النجاة والخير ، أما غيره فيقودهم الى الشر والهلاك (يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ). متاع الحياة الدنيا زائل بائد ، ما في ذلك ريب ، أما الحياة الآخرة فباقية دائمة ، فأي الحياتين أولى بالعمل لها؟ وفي نهج البلاغة : ما يصنع بالدنيا من خلق للآخرة؟ وما يصنع بالمال من عما قليل يسلبه ، وتبقى عليه تبعته وحسابه؟ وفيه أيضا : مرارة الدنيا حلاوة الآخرة ، وحلاوة الآخرة مرارة الدنيا.
(مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ). الله عادل وكريم ، ويتجلى عدله في عقوبة المسيء ، فإنها عند الله تساوي سيئته جزاء وفاقا. وقد