(صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) من أكبر كبير إلى أصغر صغير ، وهذا الإتقان والترتيب والنظام من أقوى الشواهد على وجود الله ووحدانيته وعظيم قدرته (إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ). والذي خلق الإنسان ، وأتقن صنعه يعلم ما يفعل من خير أو شر ، وما توسوس به نفسه : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) ـ ١٦ ق.
(مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ). وأوضح تفسير لقول الله هذا هو قوله : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) ـ ١٦٠ الأنعام ج ٣ ص ٢٩٠.
(إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ). المراد بالبلدة مكة المكرمة ، وخصها بالذكر مع انه رب العالمين لينبه قريشا الى نعمته عليهم بسببها ، فلقد كانوا يستمدون سيادتهم على العرب من تعظيمها وجعلها حرما آمنا يحرم فيه القتل والقتال ، والصيد وقطع الأشجار ، وما إلى ذلك مما يدل على شرفها ومكانتها ، ومع هذا عبدت قريش الأصنام ، ودنست بها الكعبة ، فأشركت برب هذه البلدة المكرمة المعظمة الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف .. وقول الرسول الأعظم (ص) : (إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ) .. (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) هو تعريض بقريش وعبادتها الأصنام ، وان الواجب عليها أن تترك عبادة الأصنام التي لا تملك شيئا ، وتعبد رب هذه البلدة الذي له الخلق والملك والأمر ، وهو على كل شيء قدير ، وقد تفضل على قريش بالكثير من عطائه وآلائه.
(وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ). المراد بتلاوة القرآن هنا الدعوة إلى الايمان به ، والسير على منهجه (فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ). دعا الرسول الأعظم (ص) الى الهدى ، فمن سمع وأطاع فقد أحسن لنفسه ، وسلك بها سبيل الخير والنجاة ، ومن أعرض وتولى فقد أساء اليها وأوردها موارد الشر والهلاك .. والنبي (ص) غير مسؤول عما يحل بأهل الغي والضلال بعد أن نصح لهم وأبلغهم رسالات ربه (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ) على ما وفقني اليه من تبليغ رسالاته