سنة ١١٤٣ ميلادية (مجلة اللسان العربي. «الرباط» عدد كانون الثاني ١٩٦٩).
وأيضا لا شك ان ترجمة القرآن لا تجري عليها أحكام القرآن. أولا لأن العربية من خصائص القرآن ومقوماته : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) ـ ٢ يوسف. فإذا زالت عنه هذه الصفة تبعتها الصفة القرآنية حتما. ثانيا ان الترجمة في واقعها انما هي لمعاني القرآن ، لا للقرآن بالذات. وبكلام أوضح ان القرآن عبارة عن الفصاحة العربية ومعانيه الحقيقية ، وكل منهما جزء متمم للآخر بالنسبة الى القرآن ، فإذا زال أحد الجزئين ذهبت جنسية القرآن ، وأصبح الجزء الباقي شيئا غير القرآن .. وعليه يكون حكم ترجمته تماما كحكم تفسيره .. أجل ، ان حكم اسم الله تعالى وصفاته هو حكم القرآن بالذات يحرم مسه ومسها على غير المطهرين مهما كانت اللغة.
(ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً)؟ هذا المثل ضربه سبحانه للمشركين المكذبين برسالة محمد (ص) ، وتوضيحه ان المشرك الذي يعبد أكثر من واحد هو أشبه بعبد مملوك لجماعة مختلفين في الرأي والأخلاق ، ولا يتفقون على شيء ، وكل واحد منهم يطلب من العبد ما يناقض طلب الآخر ، ولا يستطيع العبد تلبية الجميع وارضاءهم ، وفي الوقت نفسه لا يريد أن يغضب واحدا منهم ، فهو معهم أبدا ودائما تائه في فكره وحائر في أمره لا يدري ما ذا يصنع؟
أما المؤمن الموحد فهو أشبه بعبد يمتلكه رجل واحد ولا يطلب منه إرضاء أحد سوى مولاه الحكيم فيما يأمر وينهى ، وقد استراح كل منهما للآخر ، فالسيد لا يكلف العبد ما لا يطيق ، والعبد يسمع ويطيع ، وهو طيب النفس لأنه على يقين من مرضاة مولاه .. فهل هذا الرجل الذي هو سلم لمولاه الواحد الحكيم ولا يخضع إلا له وحده ، وذاك الرجل الذي يطلب منه أن يخضع ويطيع الرعناء المتشاكسين هل هما سواء؟ كلا : (أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) ـ ٣٩ يوسف.
(الحمد لله) الذي عزز دينه ورسوله بالحجج الدامغة والبينات الواضحة ، وخذل أعداءه المبطلين وردهم على أعقابهم خاسئين (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) ان المشرك كالعبد المملوك الرعناء متشاكسين (انك ميت ـ يا محمد ـ وانهم