فاخترعوا لهم الأسلحة الجهنمية ، أما هؤلاء فهم كالأنعام بل أضل سبيلا .. ولا يدرك هذه الحقيقة إلا أولو العقول والأبصار.
(قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ). لأن الايمان بلا تقوى والعمل الصالح لا يجدي نفعا ، ومن أجل هذا ذهب جمع من العلماء إلى ان العمل الصالح جزء من الايمان الحق (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ). هذا كلام مستأنف ومنقطع عن سابقه ، ومعناه من يعمل مثقال ذرة خيرا يره (وَأَرْضُ اللهِ واسِعَةٌ). فمن ضاق عليه بلده وعجز عن القيام فيه بواجبه الديني أو الدنيوي فليهاجر الى غيره ، وتقدم مثله في الآية ٩٧ من سورة النساء ج ٢ ص ٤١٩.
(إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ) أي الصابرون على الشدائد صبر الأحرار الذين يرتفعون فوق الأحداث ، ويرفضون الاستسلام للفقر والذل ، أما الذين يخضعون للاقوياء ويجبنون أمام الطغاة فهم الذين خسروا الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ). أبدا لا فرق بين النبي وغيره .. انه عبد مأمور بالإخلاص لله في جميع أقواله وأفعاله كأي انسان (وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ) دعا الرسول الأعظم (ص) الى الإسلام بعد ان سبق الناس اليه لأنه منسجم مع نفسه يفعل ما يقول ولا يقول ما لا يفعل.
(قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ). محمد (ص) يخاف الله لأنه لا براءة معه من الله ، ولا حجة له عليه ، بل لله الحجة على محمد (ص) وعلى جميع خلقه .. وأعظم ما في محمد انه مطيع لله مخلص له في العبودية سابق الى الخيرات يتلقى الوحي من ربه ويؤديه على وجهه : (قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ وَما أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ) ـ ٩ الأحقاف.
(قُلِ اللهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي) مرة ثانية يؤكد محمد (ص) بأمر الله انه عبد مأمور. قال المستشرق الانكليزي «هاملتون جب» الأستاذ في جامعة اكسفورد في كتاب «دراسات في حضارة الإسلام» ، قال : «يرفض القرآن فكرة الوساطة بين الله والإنسان .. ويضع الإنسان أمام خالقه دون عناصر وسائطية روحية أو شخصية». وهذه هي الميزة الكبرى للإسلام على جميع الأديان.