ومن الله متعلق بتنزيل أي هذا تنزيل الكتاب. وبالحق متعلق بأنزلناه. ومخلصا حال من ضمير فاعبد. وألا أداة تنبيه. والذين مبتدأ والخبر محذوف أي يقولون ما نعبدهم. وزلفى مفعول مطلق مثل قمت وقوفا.
المعنى :
(تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ). القرآن من عند الله الذي خلق الخلائق بقدرته ، ودبرها بحكمته (إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ). قد يقال : ان النبي (ص) على يقين بأن القرآن من لدن عزيز حكيم ، وانه يعبد الله مخلصا له الدين ، اذن ، فما الغرض من هذا الأمر ، وذاك الإخبار؟.
الجواب : لقد أوذي النبي (ص) ، وتحمل الكثير ، فقال له سبحانه : انك تدعو إلى الحق ، ومن دعا اليه في محيط مثل بلدك لا بد أن يدفع الثمن من نفسه أو أهله أو ماله .. وأيضا أنت مخلص لله في جميع أقوالك وأفعالك ، ومن أخلص لله لاقى الكثير من أعدائه. وبتعبير ثان ليس قوله تعالى : (أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ) مجرد إخبار ، ولا قوله : (فَاعْبُدِ اللهَ) مجرد أمر ، بل هما شهادة للنبي بالعظمة وتسلية عما يقاسي من أعداء الله والحق.
(أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ) من كل شائبة ، أما الدين المشوب بالرياء والأهواء فهو للشيطان ، لا للرحمن .. ولا يكون هذا الدين الخالص إلا لمن يجعل منه مثله الأعلى ، ويضحي من أجله بنفسه وجميع منافعه ، ولا يضحي به لأجل منفعته ومصلحته (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى). عاد سبحانه الى المشركين وأخبر أنهم يتخذون من دون الله أربابا ليشفعوا لهم عنده. وتقدم مثله في الآية ١٨ من سورة يونس ج ٤ ص ١٤٤.
(إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ). لا يختلف المشركون فيما بينهم على الشرك ، وانما يختلف المشركون والموحدون ، والله سبحانه يفصل بين الفريقين فينعم على من وحّد واتقى ، وينتقم ممن أشرك وبغى (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ). انه تعالى يهدي من سلك سبيل الهداية ، ويضل من اختار طريق الضلال ، ويهلك من ألقى بيديه الى التهلكة ، وينجي من احتاط وتجنب المهالك.