(وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ). لمن اتقى حسن الأحدوثة في الدنيا ، وثواب الله ومرضاته في الآخرة ، وهي (جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ) يدخلونها بسلام لا يسألهم سائل ، ولا يمنعهم حاجب (مُتَّكِئِينَ فِيها يَدْعُونَ فِيها بِفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرابٍ). متعة في الطعام والشراب والفراش ، وفوق ذلك كله حور عين لا يمددن بطرفهن إلا لبعولتهن. وتقدم مثله في الآية ٤١ وما بعدها من سورة الصافات.
(هذا ما تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسابِ). وليس لما وعد الله من الخير مترك (إِنَّ هذا لَرِزْقُنا ما لَهُ مِنْ نَفادٍ) بل هو قائم الى الأبد ، حياة خالدة ، ونعمة دائمة (هذا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ) تماما عكس ما للمتقين ، لهؤلاء مقام أمين ، ولأولئك سواء الجحيم (جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمِهادُ) فهم حطب لها ، وهي لهم غطاء ووطاء (هذا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ). في تفسير الرازي ان في الكلام تقديما وتأخيرا ، والأصل : هذا حميم وغساق فليذوقوه ، والحميم يحرق بحرّه ، والغساق صديد أهل النار (وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ). لا يقف عذاب أهل النار عند الحميم والغساق ، بل هناك أشكال أخرى من العذاب ، تتشابه في شدتها وقسوتها ، وتختلف في لونها ومظهرها كالزقوم والسموم ، وما إلى ذلك مما لا عين رأت ولا اذن سمعت.
(هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لا مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صالُوا النَّارِ). يدخل المجرمون الى جهنم أفواجا ، فإذا دخل القوم اللاحقون قال لهم السابقون : لا مرحبا بكم .. انكم في النار معذبون (قالُوا بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنا فَبِئْسَ الْقَرارُ قالُوا رَبَّنا مَنْ قَدَّمَ لَنا هذا فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ). هذا بكامله من كلام اللاحقين ، وفيه جواب للسابقين ، استقبلهم هؤلاء بالشر ، فردوه عليهم مضاعفا .. وقولهم : (أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنا) يومئ الى ان الرؤساء المتبوعين يتقدمون التابعين الى جهنم تماما كما تقدموا عليهم في الحياة الدنيا .. والهاء في «قدمتموه» تعود إلى العذاب المفهوم من السياق .. ثم طلب التابعون من الله سبحانه أن يضاعف العذاب لمن خدعهم وغرر بهم .. وتكرر هذا المعنى في العديد من الآيات ، منها الآية ١٦٦ من سورة البقرة ج ١ ص ٢٥٥ والآية ٣٧ من سورة الأعراف ج ٣ ص ٣٢٦ والآية ٣١ من سورة سبأ.
(وَقالُوا ما لَنا لا نَرى رِجالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ). ضمير قالوا للطغاة