للمفسرين هنا أقوال ، أرجحها ان سليمان قد بدا له في مساء يوم من الأيام أن يستعرض ما أعده للحرب والعزو من رباط الخيل ، وقد كانت آنذاك السلاح الذي يرهب الأعداء ، وبكلمة أراد أن يجري استعراضا عسكريا ، فأمر بإحضار الخيل ، وان يجريها الفرسان أمام عينيه ، وقال : أفعل هذا عن أمر ربي ، لا عن هوى في نفسي .. حتى إذا أجريت أعجب بها واطمأن اليها ، ولما غابت عن بصره في ركضها أمر بردها ، وشرع يمسح سوقها وأعناقها مسرورا بها وراضيا عنها .. وعلى هذا يكون المراد ب «حب الخير» استعراض الخيل وجريها أمام عينيه ، أما قوله : (عَنْ ذِكْرِ رَبِّي) فمعناه اني فعلت هذا عن أمر الله لا عن أمري.
(وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً). ابتلى سبحانه سليمان بمرض عضال ، وألقى به على سريره كجسد بلا روح ، تماما كما ابتلى غيره من الأنبياء بأنواع البلاء ، وتومئ الآية الى ان الابتلاء كان جزاء على شيء صدر من سليمان ، ولكن الله سبحانه لم يبين هذا الشيء ، وما ذكره المفسرون في بيانه وتحديده لا يقوم على أساس ، ومهما يكن فقد تاب سليمان مما حدث منه كما تاب غيره من الأنبياء ، وقبل الله من سليمان كما قبل من الأنبياء (ثُمَّ أَنابَ قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي). وتجدر الاشارة الى أن الأنبياء يتوبون لتركهم الأولى والأفضل ، لا لاقترافهم المعصية ، وبيّنا ذلك في ج ١ ص ٨٨.
(وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ). طلب ملكا لا نظير له من بعده في الكيف لا في الكم ، ومن نوع الخوارق والمعجزات كتسخير الرياح والطير والجن ، فاستجاب الله دعوته بشهادة قوله تعالى : (فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ). رخاء أي طيعة ، وحيث أصاب أي إلى أية جهة يشاء (وَالشَّياطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ) لما يريده سليمان من محاريب وتماثيل وغيرها (وغواص) في البحر على اللآلئ والجواهر (وآخرين) من الشياطين أيضا (مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ) لأنهم خرجوا عن أمره وطاعته. وتقدم مثله في الآية ١٢ و ١٣ من سورة سبأ.
(هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ). وعطاء الله لا يثلمه الإنفاق ولا ينقصه البذل ، ولذا أمر الله سليمان ان ينفق بالجملة ومن غير وزن وكيل ان شاء.