وبما ان وظيفة الأنبياء هي التبشير والتحذير كيلا يكون للناس على الله الحجة ـ وجب عليهم الحكم بين الناس بالحق ، وعلى غيرهم السمع والطاعة.
(فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى) لأن منصب النبوة يستدعي ذلك بطبعه ، وبكلام آخر ان الله سبحانه يختار لوحيه من يؤمن بالحق ويعمل به ، ويستحيل في حقه الخطأ والخطيئة (فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ). أشقى الناس من خالف مولاه واتبع هواه .. وفي الحديث : ان أخوف ما أخافه عليكم الهوى وطول الأمل ، أما الهوى فإنه يصد عن الحق ، واما طول الأمل فينسي الآخرة. ومن نسي هذا اليوم فهو من المعذبين بناره وجحيمه.
(وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً). ولو كان في خلق الكون شائبة للعبث والباطل لما ثبت واستمر على نظامه المحكم ملايين السنين. وتقدم مثله في الآية ١٩١ من سورة ال عمران ج ٢ ص ٢٣١ (ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ). ويومئ هذا الى أنه لا فرق بين من أنكر وجود الله من الأساس ، ومن اعترف به وأنكر الحكمة في خلقه .. لأن دلائلها ظاهرة ، وأعلامها واضحة. قال الإمام علي (ع) : قدر ما خلق فأحكم تقديره ، ودبره فألطف تدبيره ، ووجهه لوجهته فلم يتعدّ حدود منزلته ، ولم يقصر دون الانتهاء الى غايته.
(أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ). الفرق بين الصالح والمفسد وبين التقي والفاجر تماما كالفرق بين الطيب والخبيث وبين الأعمى والبصير. وتقدم مثله في الآية ١٠٠ من سورة المائدة ج ٣ ص ١٣١ والآية ٥٠ من سورة الأنعام ص ١٩٣ من المجلد المذكور. وفي «أحكام القرآن» للقاضي أبي بكر المعروف بابن العربي : ان هذه الآية نزلت في بني هاشم ، وان الذين آمنوا وعملوا الصالحات والمتقين هم علي بن أبي طالب وأخوه جعفر وعبيدة بن الحرث والطفيل بن الحارث وزيد بن حارثة وأم أيمن وغيرهم ، وان المفسدين والفجار هم من بني عبد شمس. (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ). الخطاب لرسول الله (ص) ،