من غير أبوابها لسبب من الأسباب ، وليس في الآيات أي ذكر للملائكة ، والمفهوم من كلمة الخصمين اثنان من الناس ، فتأويلهما بملكين لا مبرر له.
(قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ). حين رأيا ما حل به من الخوف أسرعا الى طمأنته وقالا : جئنا للتقاضي عندك ، فاحكم بالعدل وأرشدنا الى الحق ولا تنحرف عنه ، ثم قال أحدهما : (إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكْفِلْنِيها وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ) أكفلنيها أعطنيها ، وعزّني في الخطاب غلبني في القول ، والنعجة أنثى الضأن ، ولا داعي للتأويل ، فظاهر الآية ان حادثة من هذا النوع وقعت في عهد داود ، ولها أمثال في كل زمان ومكان بخاصة في زماننا ، فيجب الأخذ بالظاهر والعمل به.
(قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ). قال هذا داود قبل أن يطلب من المدعي البينة ، ويستوجب المدعى عليه (وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ). قال المفسرون : المراد بالخلطاء الشركاء ، ولكن لا شراكة بين المتخاصمين ، والسياق يومئ الى أن المراد بهم الأقوياء ولو من باب المجاز (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ ما هُمْ). القوة للحق إذا كانت في يد الأخيار أما إذا ملكها الأشرار فهي على الحق من غير شك ، وأهل الخير قلة في عددهم ، ولكنهم أقوياء في أخلاقهم وصفاتهم.
(وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ). بعد ان حكم داود لأحد الخصمين تنبه الى أنه حكم له قبل أن يدلي الخصم الآخر بحجته ، فندم وطلب من الله العفو والمغفرة (فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ). غفر الله لداود لأنه من السابقين الأولين الى طاعة الله ومرضاته.
وفي كتاب «عيون الأخبار» للشيخ الصدوق : ان سائلا سأل الإمام الرضا (ع) عن قصة داود مع أوريا وزوجته؟ فنفى الإمام ما ينسبه الناس الى داود. فقال السائل : ما كانت خطيئته يا ابن رسول الله؟ فأجاب بجواب طويل جاء فيه : عجّل داود على المدعى عليه ، فقال : (لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ) ولم يسأل المدعي البينة ، ولم يقبل على المدعى عليه ، فيقول له : ما تقول ،